حوارية (١٣١) لم أجد إجابة مقنعة وهو أين الله سبحانه ؟
السائل :
سؤال إلى الآن لم أجد له إجابة مقنعة و هو: أين الله ؟ و هل هو مجسد؟ و كيف يضحك و هل يحزن؟
الجواب بسمه تعالى
تمهيد مهم لفهم الجواب
هل كل شيء موجود من لوازمه أن يرى بالعين المجردة. بعبارة أدق هل من الواجب والضرَورة أن كل شيء قابل للرؤية بالعين؟
جزما الجواب لا. لماذا؟
لأن الألم موجود ولا يرى ولا بأدق الأجهزة لأنه إحساس وكذلك الحب والكره والخبث والمكر والنخوة والهمة وغيرها من الوجدانيات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ولا بالأجهزة الدقيقة غاية ما يمكن إثباته مكان وجودها وهو النفس أو العقل الباطن
ولو ذهبنا إلى أعمق من ذلك.
وهكذا بقية المخلوقات غير المرئية التي لم تكتشف حتى الساعة والعلم لم ولن يقول أنه أحصى جميع مخلوقات الله سبحانه في خلقه. لنذهب لما هو أعقد من كل هذا وهي روح الإنسان التي من خلالها يتحرك وكذلك بقية المخلوقات
الروح التي في نفس الإنسان والتي تمنحه الحياة وبدونها يكون جثة هامدة هل لها صفة محددة نستطيع وصفها هل نستطيع أن نقول إنها غازية أو سائلة أو جامدة بل العلم عاجز حتى هذه اللحظة أن يحدد كيف تخرج الروح من الأنف من الأقدام من الفم أقصى ما سجلته الأجهزة أن حرارة الجسم تبرد فيكون جثة. رغم كل هذا التعقيد والغموض إلا أنك تستطيع أن تقول أنها موجودة ضمن زمان ومكان معين لذلك جميع المخلوقات فقيرة لغيرها فإذا خلت من مكان فرغت من مكان أخر وكلها محتاجة لغيرها بما أنها في حدود الزمان والمكان ...
السائل:
فما نتيجة وملخص ما ذكرته من تمهيد؟
الجواب:
النتيجة لهذا التمهيد
ليس كل موجود لابد أن يرى بالعين المجردة وأن يحدد مكانه بدقة
فكيف بخالق الكون كله ومحيط بكل تفاصيله ومهيمن على ذلك كله وهو الله سبحانه وتعالى فهو الذي خلق الزمان والمكان ولم يكن شيء فكان عدم. ولذا هو غني مطلق لا يحده زمان ولا يحكمه مكان فيستحيل أن ينطبق عليه ما فرضه على خلقه وعليه فإن الله عز وجل أكبر من أن يوصف بشيء ولو يتوهم في شيء ولا يشبه شيء وقد أكد القرآن الكريم على تنزيه سبحانه كما في قوله تعالى { فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}الشورى .
إذاً الله سبحانه غني مطلق لا يحتاج لخلقه كما قال تعالى { يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّـهِ وَ اللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} فاطر.
وكذلك لوقفنا على الروايات نجد ما يؤكد هذا المعنى بدقة.
السائل :
يعني إذا الله لا يمكن إدراكه بالحواس ولا يقاس بالناس من باب أولى لا يضحك ولا يحزن لأنها عوارض لمن يكون ضمن قانون الزمان والمكان
طيب هل هناك وصف دقيق يقرب لنا بالوجدان وليس بالحواس وبالأجهزة الذكية الدقيقة أين الله سبحانه على لسان الروايات الشريفة ؟
الجواب :
نعم تعال نأخذ الجواب ممن نزل القرآن الكريم في بيوتهم وتربوا في حجر النبوة ورضعوا من ثدي الإيمان وأولهم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم المعصومين من عترته
فعن ابن طريف، عن الأصبغ - في حديث –
قال: قام إليه رجل يقال له: ذعلب،
فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟
فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره
قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا.
قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان . ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج.
فخر ذعلب مغشيا عليه. الخبر. (١)
نذكر رواية أخرى ونكتفي
عن عبد الله بن سنان، عن أبيه
قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟
قال: الله تعالى،
قال: رأيته؟
قال: بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله، لا إله إلا هو،
قال: فخرج الرجل وهو يقول: " الله أعلم حيث يجعل رسالته " (٢)
تأمل في الحديثين بعين القلب والبصيرة تجد جواباً شافيا جامعاً كافيا
والحمد لله رب العالمين .
✍️ زاهر حسين العبدالله
المصادر :
(١) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧.
(٢) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٩٧.