💬 الإمام الكاظم عليه السلام في مواجهة الانحراف
💡مقدمة :
الإمام الكاظم عليه السلام سابع أهل البيت عليهم السلام الذين فرض الله طاعته على خلقه وأمرنا بالتمسك بهديه وأخذ معالم الدين منه ولد في زمان كثير التقلبات والمتغيرات وعاصر أباه الإمام الصادق عليه السلام فتربى في حجر الإيمان وأخذ من أبيه مواريث النبوة والإمامة.
🔲 أهم وأبرز أدوار الإمام في مواجهة الانحراف
١- الدعوة إلى التوحيد: كان الإمام الكاظم يعمل على نشر مفهوم التوحيد وتعاليم الإسلام، مؤكداً على أهمية الإيمان بالله.
عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى أبي: أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفوا عما سوى ذلك .
٢- التعليم والتوجيه: أسس حلقات دراسية لتعليم العلوم الدينية، حيث كان يدرس الفقه والعقائد للناس. مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
٣-مواجهة الظلم
عُرف بمقاومته للظلم والفساد، حيث كان يتحدث بصراحة ضد الحكام الظالمين.
للحقبة التي عاشها الإمام الكاظم عليه السلام فكانت حقبة صعبة خنقت فيها الحريات وبالخصوص على طلائع الطالبيين والعلويين لما كان لهم من وقع عميق في نفوس العامة من الناس وهذا مما شدد عليهم الخناق من قبل السلطة الحاكمة ويمكن أن تدعى هذه الفترة بالفترة المظلمة من الناحية السياسية وذلك لحبس الحريات وكبت الأنفاس وملاحقة الأحرار ونشر الإرهاب بين الناس والقتل الفردي والجماعي إلى جانب ذلك استفحال بني العباس وانفرادهم بالحكم والاستهانة بكرامة الناس الآخرين ودكتاتورية الحكم فالولاة كلها للأقارب والأباعد يعبثون ويظلمون ويفسدون وبين هذه الفترة وتلك التي سبقت عاش الإمام الكاظم عليه السلام وشاهد تبدلات سياسية وفكرية واجتماعية على صعيد الدولة وعلى صعيد المجتمع الإسلامي وأنظمة الحكم وقد مثّل هذا الانعطاف التاريخي انقطاعاً عن الحكم الأموي ونقيضاً له على كافة المستويات فبالنسبة للإمام عليه السلام واصل سيرة آبائه وأجداده الى ما يقابلها من استمرار السلطة في قمع الشيعة والعلويين فهي فترة قلق وتخلخل فالمطلوب هو الطاعة للخليفة الحاكم وما عداه يهون إلّا العدل والإصلاح لم يجد محلّاً في قاموسهم.
لقد عاصر الإمام الكاظم عليه السلام فضلاً عن آخر خليفة أموي وهو مروان بن محمّد المشهور بالحمار الذي تولى السلطة سنة ۱۲۷ هـ وقتل على يد العباسيين سنة ۱۳۲ هـ فالإمام عليه السلام يكون قد عاصر خمسة من ملوك بني العباس (أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور والمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد).
وفعلاً قبل أن يقوم الحسين بن علي بن الحسن بثورته عرض الفكرة على الإمام الكاظم عليه السلام فقال الإمام عليه السلام « إنك مقتول فأحدّ الضراب » وان القوم فساق يظهرون إيمانا ولكنهم يضمرون نفاقاً وشركاً « فإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة » إن دلّ هذا الكلام على شيء فإنه يدل على رغبة الإمام بالثورة ضد الطغاة وفعلاً وبعدما سمع بمقتل الحسين وما آلت إليه الواقعة يكاد الإمام يترحم عليه وقال مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ما كان في أهل بيته مثله أي كان يجيب فعله.
٤-تحمل المحن
تعرض للسجن والاضطهاد من قبل الحكام، لكنه صمد أمام هذه المحن، مما زاد من احترام الناس له.
هناك موقف الصراحة والتحديات العلنية والمجابهة الفعلية نظير التي ظهرت جليّة وواضحة عند مرقد النبي صلّى الله عليه وآله واحتجاجه مع هارون الرشيد مع وجود كبار رجال الدولة وقادة الجيش وجمع غفير من الناس الحضور حيث أقبل هارون الرشيد على ضريح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله « السلام عليك يا ابن العم معتزاً مفتخراً على غيره بصلته بالنبي صلّى الله عليه وآله وأنه إنما وصل الخلافة لقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وفي حينها كان الإمام الكاظم عليه السلام حاضراً لزيارة قبر الرسول صلّى الله عليه وآله قائلاً « السلام عليك يا أبتِ » وقد سمع الرشيد سلامه وصوته وذهل منه وساوره شيء من الحقد والامتعاض من هذا المشهد حيث سبقه الإمام بالقرابة وإلى ذلك المجد والافتخار فقال له الرشيد بلهجة الحاقد المغضب لم قلت بهذه اللهجة تدل على أنك أقرب إلى رسول الله منا فأجاب الإمام الكاظم بلهجة المطمئن الهادي وبرد مفحم قائلاً له يا هارون لو بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك أو تمتنع ؟ فقال هارون وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم فانبرى الإمام الكاظم عليه السلام قائلاً ولكنه بالنسبة لي لا يخطب مني ولا أزوجه لأنه والدنا لا والدكم لذلك نحن أقرب إليه منكم وهنا بان على هارون الرشيد الخذلان بعد ما أعياه الدليل إلی منطق الاحتقار والعجز هو أصدر أمره باعتقال الإمام عليه السلام وزجه في السجن .
فالإمام لعله سُجن أكثر من ست عشرة سنة يعاني الحبوس ينتقل من حبس إلى آخر حتى سئم الإمام من الحبوس ومراقبة الشرطة وإجراءات الدولة الظالمة حتى مرض وهزل جسمه كل ذلك لا يثنيه من مواصلة سيرته الجهادية ومصارعة الزعامة المنحرفة.
فقد أرسل عليه السلام من السجن رسالة إلى هارون الرشيد يعرب فيها عن سخطه هذا نصها : « يا هارون إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء وهناك يخسر المبطلون ».
٦- التركيز على الأخلاق:
دعا إلى تعزيز القيم الأخلاقية والإنسانية، مثل الصبر، والعدل، والإحسان.
أخبرني عبيد الله بن علي، عن أبي الحسن الأول الكاظم (عليه السلام)
قال: كثيرا ما كنت أسمع أبي يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم [من] خلق لله أورع منه.
وفي رواية أخرى
عن عمار بن مروان، قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام":" اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.
٧- تأسيس نظام اجتماعي:
عمل على تحسين الوضع الاجتماعي للناس، وخاصة الفقراء والمحتاجين، من خلال تقديم الدعم والمساعدة.
عن أبي حمزة قال سمعت الإمام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام" يقول: "من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره، يطلب به ثواب الله وتنجّز ما وعد الله عزَّ وجلّ ، وكّل عزَّ وجلَّ به سبعين ألف ملكٍ من حين يخرج من منزله حتى يعود إليه، فينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنَّة، تبوّأت من الجنّة منزلاً.
يقول الإمام الكاظم(ع) لبعض ولده وهو ينصحه: "يا بنيّ، إيّاك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ـ اعرف مواقع معاصي الله لتبتعد عنها، واعرف أيضاً أنَّ الله تعالى يبغض الذين يعصونه، لأنَّهم يبتعدون عن مواقع رضاه، حاول وأنت تعرف مواقع المعصية ألاَّ يراك الله في معصيةٍ نهاك عنها، لا في كلمةٍ ولا في فعل ـ وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعةٍ أمَرَك بها"، فالطاعات معروفةٌ في ما أمرك الله به وأوجبه عليك، والله تعالى يريد أن يجدك عند مواقع طاعته لتحصل على مواقع رضاه.
وفي وصية أخرى له(ع) يقول: "يا بنيّ، عليك بالجدّ، فلا تخرجنَّ نفسك من حدِّ التقصير في عبادة الله عزَّ وجلّ وطاعته، فإنَّ الله لا يُعبد حقَّ عبادته ـ مهما صلّيت وصمت، لا تحسبنَّ أنَّك أدّيت لله حقَّه وعبدته حقَّ عبادته ـ وإيّاك والمزاح ـ والمزاح ليس محرّماً، لكنَّ البعض يغلب المزاح على حياته، بحيث لا تجده إلاّ مزّاحاً في طريقته في الحياة ـ فإنَّه يُذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروءتَك، وإيّاك والضجر والكسل ـ لا تضجر من عملٍ أو دراسةٍ أو عبادة، وحاول أن تكون الإنسان الذي يجدّد رغبته في ما ينفعه في الدنيا والآخرة فإنَّهما يمنعانك حظَّك من الدنيا والآخرة".
٧- التواصل مع العلماء: كان له علاقات مع العلماء والمفكرين، مما ساعد في نشر الفكر الإسلامي.
تتلمذ على يدي الإمام موسى بن جعفر الكاظم مجموعة كبيرة من الطلاب والتلامذة الذين قرأوا على الإمام العلوم الإسلامية، ونهلوا من نمير علومه ومعارفه ما زادهم علماً ومعرفة وفكراً إسلامياً أصيلاً.
فكان منهم المحدثون، والمفسرون، والرواة، والفقهاء، والكتاّب، والقادة، والعلماء... وقد تحملوا مسؤولية نشر معالم ومفاهيم الدين، وبيان أحكامه، وتوضيح أصوله وفروعه.
ويلاحظ المتتبع لتلامذة الإمام الكاظم كثرة أعدادهم، وتعدد تخصصاتهم العلمية، وميولهم المعرفية، وغزارة منتوجاتهم العلمية والفكرية والدينية.
إن مدرسة الإمام الكاظم والتي هي امتداد لمدرسة والده الإمام الصادق حققت الكثير من الأهداف في التربية والبناء العلمي المتميز رغم الصعوبات التي كانت تقف عائقاً أمام تقدم المدرسة العلمية، إلا أن إصرار الإمام الكاظم وإرادته القوية، واستثمار كل فرصة متاحة في تربية الكوادر العلمية، ونشر العلوم والمعارف الإسلامية، والعناية بالأفراد المتميزين كان له بالغ الأثر في صناعة القادة وكبار العلماء والفقهاء والرواة، وهم الذين نشروا وحملوا إيصال فكر ومنهج أهل البيت إلى مختلف الأقاليم والبلدان الإسلامية.
✍️زاهر حسين العبدالله