🔲 حوارية ( ١٣٧ ) كيف يحصل الشاب والفتاة المؤمنة فضل الساعات في شهر رمضان
المبارك ؟
السائل :
الأستاذ الفاضل أبا سجاد وفقك الله للدعوة إلى سبيله ونفع بك المؤمنين بالنصح والإرشاد والتبليغ.
الأستاذ الفاضل ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان حيث وصف فيها شهر رمضان (شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات).
والسؤال أستاذي هو كيف يستفيد المؤمن من هذا الشهر لينال فضل هذا الشهر فتصبح ساعاته له أفضل الساعات وأيامه أفضل الأيام..) وهل يحظى بهذا الفضل من تساوت لديه أيام وليالي شهر رمضان بما سواه؟
الجواب: بسمه تعالى
إن الله سبحانه وتعالى له هبات وجوائز يمنحها عباده لا لحاجة منه إلى ذلك بل لأنه يحب عباده فيدعوهم برحمته وفضله إلى موائد كرمه ولطفه ليصلح حالهم ويُبعدهم عن سوء أعمالهم ويقطع دابر الشيطان عنهم ويفتح أبواب رحمته لهم سبحانه وتعالى ولكي ننال شرف هذه المنحة الإلهية في هذا الشهر المبارك الذي دعينا فيه لضيافته سبحانه وتعالى نحتاج جملة من الأمور على سبيل الاختصار وإلا سؤالكم عميق جداً يحمل في طياته أبحاثاً في الأخلاق والسيرة والسلوك ونحاول من يوفقنا لذكره أن نطل على نوافذ كرمه سبحانه كي لا يكون شهر رمضان مثل بقية الشهور في نفس الإنسان من تلك الأمور
١-شكر المنعم الذي أفاض عليه نعمة الوجود
والصحة والتوفيق لصيام هذا الشهر العظيم ويُعظّم الله في قلبه ويُكبر جود ربه في نفسه فيزداد حباً وتقرباً من خالقه ومن أبواب هذه النعمة أن تقرأ كتاب الله سبحانه وتسمع كلماته بتمعن وتدبر لتكشف عن روحك حجب النور التي غلّفتها المعاصي والذنوب . كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين في صفات المتقين وهو يقول ( أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم، ويستشيرون به دواء دائهم، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم..)(١)
٢-أن يعمد إلى محاسبة نفسه ويعرف عيوبها
كي يستفيد من نفحات الله سبحانه في هذا الشهر ويعمل جاهداً للتخلص منها ويجاهد نفسه متوسلاً بذلك بأهل البيت عليهم السلام في النجاة منها وذلك من خلال
أدعية أهل البيت عليهم السلام كي يذوق حلاوة التغيير الجوهري في نفسه كما قال تعالى { ....إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ..(١١)}الرعد. فتصل نفسه أن يحب لقاء ربه أفضل من أن يبقى في هذه الدنيا فيصل لدرجة المتقين الذين وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال : غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثواب، و خوفا من العقاب.(٢)
٣- يتعلم العفو والتسامح وحسن المعاملة مع كل من حوله
وأولهم آباؤنا وأمهاتنا الذين لهم الفضل بعد الله في وجودنا في هذه الحياة ثم أهل بيته من زوجته وعياله وأهله وأصدقائه ومجتمعه ويبض صحيفة أعماله بالقول الحسن والفعل الحسن ويتذكر كلمات أهل البيت عليهم السلام مثل ما قاله سيد الموحدين (ع) (خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم (غبتم) حنوا إليكم) وفي نفس المصدر
قال الإمام الصادق(ع): اجعل قلبك قرينا برا، أو ولدا واصلا، واجعل عملك والدا تتبعه، واجعل نفسك عدوا تجاهدها، واجعل مالك عارية تردها
وعنه (عليه السلام): أقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإن نفسك رهينة بعملك
وعنه (عليه السلام): احمل نفسك لنفسك، فإن لم تفعل لم يحملك غيرك (٣)
٤-نتعلم الحكمة والورع والتقوى ونكثر من الصدقة لسلامة مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه
نستشعر الخوف الدائم من الله سبحانه لنستشعر الحياء الكامل من المنعم الذي تفضل علينا بنعمة الوجود ونتطلع أن نكون من المتقين الذين وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله :
(.. وأما النهار فحلماء، علماء، أبرار، أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، وإذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم مني بنفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون..)(٤).
٥- أن نفرغ أنفسنا ساعة لمناجاة ربنا نبكي فيها على أنفسنا
نتذكر فيها ما فرطنا في جنب الله وما اقترفت أيدينا من المعاصي والذنوب ولم نخجل من الله سبحانه وتعالى وذلك بالتقلب بين أدعية السحر كدعاء أبي حمزة الثمالي الذي من ضمن فقراته ( إلهي رَبَّيتَني في نِعَمِكَ وَإحسانِكَ صَغيراً وَنَوَّهتَ بِاسمي كَبيراً، فيا مَن رَبَّاني في الدُّنيا بإحسانِهِ وَتَفَضُّلِهِ وَنِعَمِهِ وَأشارَ لي في الآخِرَةِ إلى عَفوِهِ وَكَرَمِهِ مَعرِفَتي، يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ وحُبّي لَكَ شَفيِعي إلَيكَ وَأنا وَاثِقٌ مِن دَليلي بِدَلالَتِكَ وَساكِنٌ مِن شَفيعي إلى شَفاعَتِكَ، أدعوكَ يا سَيِّدي بِلِسانٍ قَد أخرَسَهُ ذَنبُهُ رَبِّ أُناجيكَ بِقَلبٍ قَد أوبَقَهُ جُرمُهُ، أدعوكَ يا رَبِّ راهِباً راغِباً راجياً خائِفاً إذا رَأيتُ مَولايَ ذُنوبي فَزِعتُ وَإذا رَأيتُ كَرَمَكَ طَمِعْتُ، فَإن عَفَوتَ فَخَيرُ راحِمٍ وَإن عَذَّبتَ فَغَيرُ ظالِمٍ. حُجَّتي يا اللهُ في جُرأتي عَلى مُسألَتِكَ مَعَ إتياني ما تَكرَهُ جودُكَ وَكَرَمُكَ وعُدَّتي في شِدَّتي مَعَ قِلَّةِ حيائي رَأفَتُكَ وَرَحمَتُكَ وَقَد رَجَوتُ أن لا تَخيبَ بَينَ ذَينِ وذَينِ مُنيَتي، فَحَقِّق رَجائي وَاسمَع دُعائي يا خَيرَ مَن دَعاهُ داعٍ وَأفضَلَ مَن رَجاهُ راجٍ...ألخ )(٥)
٦-الورع عن محارم الله وهو أحب الأعمال وأفضلها في هذا الشهر العظيم
بحيث نحجب أعيننا وأسماعنا عما حرّمه الله سبحانه كي لا نهتك حرمة هذا الشهر المبارك كما ورد عن مولانا سيد الموحدين حينما سأل النبي الأعظم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بعد خطبته في استقبال شهر رمضان
فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال : يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فيضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: صلى الله عليه وآله: في سلامة من دينك، ثم قال: صلى الله عليه وآله: يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، و من سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي، وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره، وخليفته على عباده. (٦)
نكتفي بهذا القدر والمؤمن والمؤمنة إذا أحبوا الزيادة والتوسع فعليهم أن يغرفوا من رحمة الله ما شاؤوا في هذا الشهر العظيم المبارك الذي وعدنا ربنا على لسان نبيه العظيم (ص) [ شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب. فسلوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، ](٧)
✍️زاهر حسين العبدالله
المصادر
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ٣١٥.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ٣١٥.
(3) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٩٧٦
(4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ٣١٦.
(5) إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج ١ - الصفحة ١٥٩.
(6) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٢ - الصفحة ١٩٠
(7) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٣ - الصفحة ٣٥٦