🕊️ حوارية (١٥٦) هل عدم صبري على البلاء لعدة سنوات اعتراض أم لا؟
🕊️ حوارية (١٥٦) هل عدم صبري على البلاء لعدة سنوات اعتراض أم لا؟
السائل:
هل عدم صبري على وضعي المادي والمعيشي لعدة سنوات أمر طبيعي؟ أم هو قلّة إيمانٍ بقضاء الله وقدره؟
وما هو الحل وفق القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ؟
🌿 الجواب – بسمه تعالى:
أولًا: من الناحية الإنسانية والنفسية
من الطبيعي أن يتعب الإنسان بعد طول ابتلاء وضيق، فالضغوط المعيشية تستهلك من الجسد والنفس. والله تعالى لا يلوم على الإحساس بالتعب، إنما يمتحن طريقة تعاملنا معه.
النفس البشرية تميل إلى الفرج السريع واستجابة الدعاء العاجلة، لكن ينبغي للمؤمن أن يُربّي نفسه على أن الضيق طريق الفرج، وأن الشدة لا تدوم، وأن في البلاء حكمةً خفية.
كما ورد في دعاء الافتتاح:
(فَإنْ أبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذي أبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الأمور)
إنّ جهل الإنسان قد يبلغ به أن يُعاتب ربّه كما يُعاتب الطفل والديه، لأن إدراكه ناقص.
ولذلك ينبغي أن يوقن المؤمن بأنّ تأخير الاستجابة هو لحكمٍ يعلمها الله وحده، وأن الله سبحانه يستجيب الدعاء في الوقت الأنسب لعبده، كما قال في الدعاء: (لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الأمور)
ثانيًا: في ضوء القرآن الكريم
القرآن لا ينكر التعب، بل يوجّهه نحو معنى أعمق:
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6]
أي أن كل عسرٍ في حياة المؤمن يحمل في طيّاته بذرة اليسر ونور الفرج، لكن كشفها يحتاج إلى صبرٍ وثقةٍ بالله سبحانه .
فالدنيا دار ابتلاء وامتحان كما قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]ثم وعد الله الصابرين بالفرج:﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3] وأعظم ما يميز المؤمنين الصابرين قولهم عند الشدائد:
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 156]
هؤلاء هم الذين يُبدّلون الضيق طمأنينةً، لأنهم يرون يد الله سبحانه في كل الأحداث.
ثالثًا: توجيه العترة الطاهرة
قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله:
(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له)
وقال أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
«الصبر ثلاثة: صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية...».
(بحار الأنوار، ج٧٩، ص١٤١)
وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله:
(من رضي من الله بالقليل من الرزق، رضي الله منه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة».
(بحار الأنوار، ج٧٩، ص٤٣٥)
فهُم (عليهم السلام) علّمونا أن الصبر ليس تحمّلًا فحسب، بل هو رضاٌ واعٍ، يرى أن ما كتبه الله هو الخير، وإن لم يُدرك معناه الآن.
🌤️ رابعًا: الحلّ العملي
🔹 جدّد ثقتك بالله سبحانه كل صباح وشكره كل مساء ، وقل له بصدق:
(إلهي رضا برضاك صبراً على بلائك وشكراً لفواضل نعمائك) . اشكر على القليل من الرزق ، فالشكر يجلب المزيد من فضل الله سبحانه حيث قال تعالى ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
🔹 لا تشكُ للناس حالك ، بل اشكُ إلى الله وحده سبحانه كما يفعل النبي يعقوب (ع)﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾
🔹 تذكّر أن الرزق مقسوم بعلمٍ وعدل، وأن الابتلاء مدرسة لصقل النفس، وفرصة للتقرب إلى الله سبحانه بذكره و العمل الصالح من خلال عبادته ومنها خدمة المؤمنين ، فحينها يُفتح الفرج من حيث لا يُحتسب.
🌹 خلاصة مضيئة
إذا ضاق رزقك، فاعلم أن الله يريد أن يوسّع قلبك لحبه ويذيقك لذيذ مناجاته قبل أن يملأ جيبك.
وإذا تأخر الفرج، فاعلم أن الله أختارك لحبه لك فإنه يحب أن يسمع صوت عبده وليس ليُعاقبك.
وإن ضعُف صبرك، فارجع إلى وعده:
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153] والحمد لله رب العالمين .
✍️ زاهر حسين العبدالله
تعليقات
إرسال تعليق