السبت، 14 أغسطس 2021

محاضرات الشيخ عبد الجليل البن سعد لشهر محرم ١٤٤٣ الليلة الثالثة

 المحاضرة الثالثة: هل منبع الأخلاق العقيدة أم فكر الإنسان؟!

قال تعالى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}

هل الأخلاق بنت العقيدة ولا صلة لها بالفكر البشري أم هي من خصائص العقل البشري ؟ 

هذا السؤال المتجاذب ظهر وله خلفيتان العلمية والعملية بل أكثر من ذلك بل بخلفية القلق بين الديني والعلماني. 

وليس كلامنا عن الأخلاق في الحياة العامة مثل الحب والتصالح وغيرها القيم الأخلاقية كلامنا حول. 


أولاً :خلفية المنطق العلمي 

(ملاحظة: لم أذكر هذه الملاحظات حسب الأهمية بل مناسبة لفضائنا العمومي) 


سنبين هذا الكلام خلال ثلاث معاني وهي :

المعنى الأول: 

الشيخ محمد جواد مغنية في كتابة فلسفة الأخلاق الإسلامية ذكر 

أنه لا مانع من التبادل بين العقل والدين وأن المركزية تكون بين العقل و الوحي 

والمعني الثاني: 

د صبح الصالح في كتابه فلسفة الأخلاق وقال الموضوع مرتبط بقاعدة اللطف الإلهي ونقررها أن الله هداه إلى الطريق السليم لأنه لو تركه لواجه جملة من العقبات وبتقرير ثاني إن الدين يقدم فاتحة للإنسان مثل يعّلِمه كيف يصنع فيعلمه كيف يخيط الثياب ليرفع الحاجة عنده ويستر بها عورته كما علّم نبي الله إدريس عليه السلام فهو أول من خاط وتعتبر هذه فاتحة وكذلك الصناعة فعّلم  نبي الله نوح عليه السلام كيف يصنع الفلك وهي السفينة فالتعليم هنا مفاتيح ومقدمات للحاجة التي ينشدها الإنسان .

المعنى الثالث:

 لم نصل لحقيقة بين التجاذبات بين العلمانية والدين أو الوحي و العقل وليس كلامنا من هو الأصل العقل أو الدين ومن هو الأسبق لرفع راية الأخلاق هل الدين والوحي أو العقل بل كلامنا حول من جاء يبين من المؤثر ومن المتأثر. 

 ‏

العلمانية تقول إن العقل هو المؤثر على الدين فينعكس على الأخلاق. 

الديني يقول : أن الوحي هو الذي يؤثر على الأخلاق ويحكمه. 


لبيان تأصيل لهذا الموضوع نحتاج أن نقول 

أ-العقل يحتاج المتممة والمساندة وأهم مساندة هو الوحي كما بينا تفصيله سابقاً  لأنه لا يستطيع أن يستغني عنه .

ب-الإنسان يمارس دور كبير في الحياة وهو دور الإدراك من خلال أسئلته مثل (من – أين – متى – ما هو – ماذا يريد - كيف .. ) كلها مفاتيح إدراكية. لكن السؤال هنا كم جهاز يعمل لهذه الأسئلة ؟ 

ثلاثة أجهزة العاطفة والعقل و الدين ( الوحي أو العلم ) وهذه هي مراتب الإدراك 

فجهاز العاطفة مثلاً ليس له قدرة استقلالية إدراكية أمام العقل لماذا ؟ بيان ذلك 

مثال : لو أنسان أراد أن يذبح ذبيحة على عتبة داره ونظر إليه الطفل لهذه الحالة إي جهاز إدراكي سيتحرك عند الطفل جهاز العاطفة لوجود حالة الألم عنده . هل العقل خضع لهذا الجهاز؟ بحيث يمتنع عن أكل ما ذُبح أمام عينه لا بل لجأ لطريق أخر ليتجاوز الألم ( العاطفة ) وهو إذا أكل هذا الطعام كان سبباً لتقوية جسده وبناء نفسه . والعقل لا يمتلك بيان كل شيء لأنه يحتاج لأمور مساندة ولا يستطيع أن يُشرف على جميع الزوايا لذلك يحتاج متمم من  من بيده الشريعة . 

ج-العقل يدرك أصول الأشياء سواء كانت عقدية أو غير عقدية لأنها واضحة ولا يحتاج لغيرها لشدة وضوحها .

نحن نقبل أن الأخلاق تبنى على الدين بل يمكن تبنى الدعوة إلى الدين على الخلق مثال قال تعالى ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)}البقرة 

القرآن هنا بدقته ركز على البر لأنه يؤثر على النفس والغير من خلال هذه النافذة الأخلاقية تم الوصول إلى أصول عقائدية من الإيمان بالله والملائكة والرسل ولكن ليس المفصل منها من الفروع ولا تؤخذ هذه الفروع إلا من قول الرسول كما قال تعالى { ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(٧) } الحشر .

وهذا البر بُنية دعوة عليه وهي الدعوة إلى الدين فأدت إلى الأصول . 

وهناك من أتخذ طريق آخر للدعوة للدين وهو الطريق الأخلاقي كما فعل شيخ الطائفة الخاجة نصير الطوسي الشيخ المظفر والسبحاني وغيرهم بنوا العقيدة على أساس أخلاقي من باب شكر المنعم وهي صفة وموقف أخلاقي 

د- إذا وقفنا  على الآية { فمن يعمل ذرة خيراً يرا) 

البعض وصل عنده أن هذه الآية لم تدع مجال للعقل وتربط الفعل بالخير والشر وهذه القراءة ليست دقيقة لأن الشرع ليس بمعرض ما يجب فعله وما يحرم  بل جاءت تربط بين العقل والشرع كما أشارة بعض الروايات حين قالت مخاطبتاً العقل ( بك أثيب وبك أعاقب ) ولذا الثواب والعقاب من مبدأ الاستحقاق وهو منطق عقلي . 

نجمل ما قلناه 

أي امتياز للدين في مسألة الأخلاق إذا أعطينا العقل كل هذه المساحة؟ نقول

 هناك امتياز ديني لأن العقل لا يمكن أن يدرك كل شيء لماذا؟ لأن الدين له امتياز في الخلق الذي لا بيان له إلا من الدين وله أيضاً بيان في الخلق الذي يأتي من العقل انظراً لسعته كيف ؟ 

مثال : أنت تحتاج تأكل وتشرب فهذه الحاجة يدركها الإنسان بل هل هذه لوحدها كافية أم تحتاج لمقدامات كثيرة ؟ بل تحتاج 

واحدة من المقدمات لقمة الحلال من خلال من الكسب الحلال فتكون هنيئة مهما قّلْت ومقدمة أخرى وهي طهي الطعام تعال نأتي إلى العقل 

إذا أدرك العقل أن هذا الخلق حسن فهل هذا يكفي؟ بل يحتاج لمقدمات الفتاة لو أدركت أن العفاف واجب فهل هذا الإدراك كافي أم تحتاج لمقدمات؟ بل تحتاج مقدمات منها أن يكون لها واعظ كي تقوم بالعفاف فتتأثر الفتاة فتلتزم العفاف كما قال تعالى 

{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ۝ } 

وهناك وجه أسمه قانون الاحترام نعم هناك أمور يدركها العقل ولكن هناك أمور لا يراها العقل لازمة لكن هذه الأمور لو صدرت مما هو أعلى منك فعقلك يقودك للالتزام بها وتنفيذها مثل احترام قول الأب إذا أراد طلب معين من الأبن فعقله لا يرى أنه لازم و لكن حينما أمر به الأب فأوجب بذلك العقل أن يعملها كأن يقول أبيه أطفئ التلفاز فيدرك العقل أنه لازم عليه الامتثال وإن أدرك العقل أنه غير لازم . لكن من باب قانون الاحترام يكون لازماً . من هنا حينما يأتي الوحي ويكشف عن طلبه فيكون طلبه لازم وراجح وإن أدرك العقل أنه غير لازم .

النتيجة هي : أن الدين هو صاحب الامتياز  سواء فيما للعقل فيه بيان أم لم يكن له بيان . 


ثانياً : الخلفية العملية: 

هناك حالة متبادلة من القلق بين الديني و العلماني .

فالديني يرى أن هذا الأمر له خلفية أخلاقية لكن يتخوف عرض ذلك للعلماني تجد بعض العلمانين يدركون أن العقل لا يدرك بعض الأمور ولكن لا يريد أن يعترف بذلك للدينين على واقع قلق يعيشه ما هو سبب هذا القلق المتبادل ؟

العلماني يقول: حينما أعترف للدينين أن العقل ليس له سيادة ولا مركزية على الأخلاق سوف يلجموني الحجة ويدحضوا تبريراتي فتصبح لا قيمة لرأي عندهم بخلاف لو أعطيت مساحة أكبر والعقل وأقول أن العقل كافي أن يدرك كل شيء فيكون تعزيز لموقفي وأقوى لحجتي فيفرض هيمنته بهذه الطريقة 

أما قلق الديني : أن للعقل مساحة وله بيان ولكن ليس ترك كامل العنان له ولو قلنا للعلمانيين برأينا هذا لأخذوه ذريعة أن يفتحوا للعقل نوافذ لأساليب واعية وغير واعية فحينما نقول للعمانيين أن العقل يدرك ستفتح مصائب عند عقل ووعي العلماني لماذا؟ 

للأسباب التالية :

١-لأنه سيبرر أفعال غير أخلاقية كالشذوذ الجنسي أو المثلية أنها وسلوك أخلاقي مثله مثل الزواج فحينما يعترض عليه الديني ويقول له هذا ليس سلوك أخلاقي يرد عليه العلماني ويقول هذا ما ذهب به إدراك عقلك أما عقلي يقول أنه سلوك أخلاقي لذلك هذا الأسلوب وسيلة للقتك بالثقافة الأصيلة.

٢-وسيلة للتلاعب واستبطان للشر بحيث يسن قوانين شريرة 

٣-إذا أعطينا مساحة أكبر للعقل ستتغير الأخلاق و قد تسحب لمفردات العقيدة كأن يقول عقلك يدرك أنها عقيدة أما عقلي لا يدرك ذلك .

لكن لأطمئن المؤمنين أن الأخلاق لا تتغير إلا بتغير العقيدة في حدودها الشرعية فهي متحركة لسعتها وفق ضوابط أصيلة حتى في الأحكام الشرعية في أحكامها الثانوية 

مثال: يدخل رجل على الإمام الحسين عليه السلام ويقول له أنا من شيعتكم فيقول له الإمام الحسين عليه السلام للرجل اتقى الله ولا تدعين شيئاً يقول الله لك كذبت وفجرت في دعواك إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من غل وغش ودغل ... 

ففي مثل هذا المثال لو أن من الشيعة به من الذنوب والمعاصي ولكن هناك فعل أخلاقي يقوم به أخيه المؤمن ليعيده لرشده بأن يهجره مثلاً أو يعظه ليترك هذه الذنوب فيستغفر الله ثم يعود لرشده لماذا لأن عقيدته قادته لتغير سلوكه هذا ما قصدناه من أن الأخلاق تتغير وتتحرك بتغير العقيدة نقصد في سعتها وشمولها ببعد نظرها قبل وفيه وبعد لذلك المصالح و المفاسد تدرس في أبواب العقيدة. 

هناك لفته جداً مهمة عقائدية التفت إليها كل من سأل الحسين عليه السلام عن سبب خروجه كأم سلمه ومحمد ابن الحنفية وغيرهم حينما يقول لهم رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم في المنام يقول لي : إن لك درجة في الجنة لا تنالها إلا بالشهادة تجدهم يسلمون لماذا ؟ لأنهم يعلمون ويدركون أن رؤيا الحسين عليه السلام يقضه وحقيقة وهذا أتى من خلفية عقائدية مرتكزة عندهم فلم تجد أحد قال له هذه أضغاث أحلام . ولذا قال عليه السلام (خِير لي مصرع أنا لاقيه ... )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوارية (122)ماذا يريد الإمام الصادق عليه من شيعته في هذا العصر؟

  حوارية ( 122) ماذا يريد الإمام الصادق (ع) من شيعته في هذا العصر ؟ 👆السائل : في ذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام ماذا يريد منا الإما...