الثلاثاء، 28 مارس 2023

العلامة الشيخ علي الجزيري نموذجاً

 

الأحساء مقبرة العلماء الشيخ العلامة علي الجزيري نموذج

قال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ }[1]

مقدمة

هذه الآية المباركة تشير إلى أمر مهم جدًا، وهو أن نقدم من بيده الملكة والقدرة على خدمة الدين حتى ولو كان الطالب هو نبياً من الأنبياء. أي علينا أن نقدم من يستحق التقديم حتى لو كان هذا التقديم يسحب البساط من أقدامنا كما يصوره الشيطان الرجيم، لكن المنظور الإلهي يقدر هذا الفعل، ويعطيه الفضل من عنده. ونعطيه حقه كما ينبغي حتى لا نسأل يوم القيامة لماذا لم نقدم فلانا وهو أكفأ منا؟ وإذا مررنا في صفحات حياتنا اليومية نجد أن هناك من يستحق الرئاسة؛ لكنه حبيس داره، أو من يستحق الوجاهة؛ لكنه ليس من الأسرة المعروفة، وأحيانا نجد من هو أهلٌ للتربع على سفينة العلم ليربي طلاب العلم، ويكون من نتاج يده بعد عون الله ورعايته طلاب يخدمون الشريعة ويتسابقون في سوح العلم والمعرفة. وتسمع عبارات موجعة في أحسائنا الحبيبة مثل الأحساء مقبرة العلماء أي لا تعرف علماءها إلا بعد أن يوسدوا الثرى، وسيكون هنا حديثي عن شخصية صاحبة جاذبية أخاذة تجمع مجامع القلوب بروعتها وجمالها، وذلك بسبب تلك الروح المفعمة بالإيمان والعلم والحلم والتواضع. فقد عرفت الشيخ من خلال جلسات قليلة، ومن ألسن العلماء الشيء الكثير، ومما يؤلم القلب كيف لهذا المفخرة لأهل الأحساء أن لا يأخذ مكانه الطبيعي في حوزتنا العلمية بينما في قم تثنى له الوسادة، وتركع قلوب الوالهين تحت منبره ليستلهموا من نمير علمه؟! ولعلم الأخوة الأعزاء أقول إنه لا تربطني بالرجل علاقة شخصية، وقد لا يعرفني حتى بالاسم، ولكن حينما قرأت سيرته التي لا يرضى أن تنتشر لتواضعه الشديد خجلت من نفسي كيف لا يكون لنا وقفة اعتزاز وفخر بهذا العالم الكبير في منطقتنا، وسيكون حديثي معكم في ثلاث نقاط:

سيرة سماحة العلامة الشيخ علي عبد المحسن الجزيري.

كيف نتعرف على العالم؟ وكيف نستفيد من نمير علمه؟

الخاتمة.

سيرة سماحة العلامة الشيخ علي عبد المحسن الجزيري

هو سماحة آية الله الفقيه المفسر والمتكلم الخبير ذو النظر الثاقب والخلق الرفيع الشيخ علي بن عبد المحسن الجزيري -حفظه الله-، وقد تتلمذ عند جملة من العلماء ومنهم:

ـ آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي حفظه الله.

ـ آية الله العظمى السيد محمد الروحاني رحمه الله.

آية الله العظمى السيد تقي القمي رحمه الله.

ـ آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله.

و قد عُرف بالنبوغ والجد والمثابرة وحدة الذكاء من أول أيام دراسته في النجف الأشرف، فهو يتمتع علاوة على الذكاء المعجز والنباهة الخارقة بالحافظة القوية وروح المجاهدة ومقاومة العقبات والمصاعب وترك ملاذ النفس في سبيل تحصيل معارف أهل البيت عليهم السلام، فقد كان يسهر الليالي ويواصل البحث والتحقيق والنظر في بعض الأيام بلا راحة ونوم إلا في دقائق يغلبه فيها النوم، ثم يستأنف بعدها العبادة والبحث، ولهذا فاق أقرانه، ولم يكن يقاس به شركاء درسه، وكان يسبق عمره ويجتاز مرحلته الدراسية التقليدية لينفذ فهمه وقدرته النقدية إلى ما فوقها من المراحل.

شرع في تدريس الخارج في مدينة قم المقدسة، ثم بعد أن دعته الظروف إلى تركها والاستقرار في الأحساء استمر في إلقاء الدروس العليا في الفقه والأصول والعقائد، وقد قررت جملة من بحوثه المباركة وطبع بعضها، وهي تمتاز بالعمق والتتبع والشمولية، وتكشف عن إحاطته بالمباني والآراء وقدرته الفائقة على الهدم والبناء والذب وتشيد النظريات.

ـ الشيخ والمسائل الخلافية. 

اهتم الشيخ -حفظه الله- اهتماما بالغا بالبحوث العقدية والكلامية لا سيما المسائل الخلافية التي تكثر فيها إثارة الشبهات، فلم ينفك في مدينة قم المقدسة والأحساء الموالية عن تربية المتخصصين القادرين على الاستدلال على العقائد والمعارف ودفع الشبهة عنها، وذلك لحاجة المؤمنين الماسة إلى هذه البحوث في عصر الشبهات والإشكالات، 

فعقد دروسا لطلاب العلم وغيرهم، وبيّن فيها جملة من المسائل المهمة وبمستويات مختلفة مراعاة لمقتضى الحال، ومن جهوده المباركة في ذلك:

ـ تدريس أكثر من دورة تمهيدية.

ـ دورة متوسطة في دلائل الصدق.

ـ عرض القواعد الحديثية والرجالية عند المخالفين، وبيان كيفية الانتفاع بها في الحوار والمناظرة والبحث العلمي.

ـ تدريب المتخصصين على كيفية التعامل مع روايات المخالفين في رد الشبهات وكسر التشنيعات من خلال دراسة الروايات المعتبرة عندهم.

ـ طرح البحوث المتكاملة ضمن عناوين مستقلة، ومن البحوث التي طرحها:

أ- الإمامة من أصول الدين.

ب- الرجعة.

ج- الغلو.

د - علم الغيب.

هـ- العصمة.

و- التوحيد.

وهو كسائر بحوثه فريد في بابه، رد فيه على الشبهات التي طرحها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد وحفيده الشيخ عبد الرحمن في كتاب فتح المجيد، وقد طبعت منه أربع محاضرات بعنوان: (القول الصواب في بيان توحيد الأنبياء والمرسلين ورد توحيد ابن عبد الوهاب) فبلغت ١٣٩ صفحة.

ز- اللطف.

ـ أخلاقه وسجاياه:

عرف الشيخ بالورع والتقوى والتنزه عن ذكر غيره بسوء أو مدح في غير موضعه، وكل من جالسه وتحدث إليه وجد فيه بغض البحث عن الشهرة وطلب الجاه والمنازل الاجتماعية، وتلمس فيه التواضع ونكران الذات والميل إلى العزلة لأجل الخلوة بالمحبوب تعالى، وما يرضيه من الطاعات، وفي مقدمتها تحصيل معارف أهل البيت عليهم السلام،

وهو صاحب غيرة على المذهب وأهله من العلماء وغيرهم، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهو رحيم بالمؤمنين يحترم كبيرهم ويوقر صغيرهم،

ولم يسمع يوما صارخا أو عابسا في وجه أحد، كثير الخشية من الله سريع الدمعة وغزيرها، يحب تشييد المذهب وتبجيل المعصومين ومدح العلماء وذكر مآثرهم، ولعله بقدر ما يكره أنه يمدحه أحد، أو يُذم مؤمن بحضرته.

كيف نتعرف على العالم؟ وكيف نستفيد من نمير علمه؟

من خلال ما عرضناه من سيرته العطرة نستطيع أن نتعرف على العالم من حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام: (المرء مخبوء تحت لسانه)[2]. وقال: (تكلموا تعرفوا). وعليه إذا رأينا في العالم ما يلي:

ـ بعده عن الدنيا ورغبته في الآخرة، وذلك يظهر في تواضعه وعدم سعيه خلف رضا الناس ورغباتهم الدنيوية.

ـ أخلاقه العالية وقلة كلامه وشغله الكثير فيما ينفع وتصديه للعلم ودراسته بشكل معمق ودقيق.

ـ مؤلفاته وتقريراته ومحاضراته تعكس عمقا علميا رائدا في عصره، ولمن يعي محاضرته يلمس ذلك جيدا.

ـ نهمه العلمي يجعله كثير المطالعة والتدبر، ولا تقف قراءته عند دين أو مذهب أو مشرب من المعارف العلمية، بل كل ما له علاقة في تنمية القدرات والملكات العقلية يريد التعرف عليه، ولذا تجده كثير الترحال بين المكتبات والمعارض ودور النشر يترقب الكتب ويشتريها بأغلى الأثمان كي يجد ذاته فيها، وينثرها بشكل محاضرات أو كتابات على طلابه.

ـ نتاجه العلمي والمعرفي يقع في قلوب الوالهين لحب الاطلاع والمعرفة سواء رجال دين أو غيرهم.

ـ تعرف العالم من خلال طلابه أيضا والمريدين له من أقاصي الأرض وبروزهم في سوح العلم والمعرفة. 

ـ تعرف العالم من خلال تصديه للشبهات العميقة سواء من داخل المذهب أو خارجه تجده مدافعا وحاميا عن حريم النبوة والإمامة وأصول المذهب كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجلسوا عند كل عالم يدعوكم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس: من الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الريا إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد)[3]. فالعالم مصداق لهذا الحديث.

ـ تعرف العالم إذا رأيته لا يهتم بعدد من خلفه، ولا يسعى لإسقاط غيره، ومجلسه مجلس علم ومعرفه، ولا يتأثر بمن يذمه. كثير التفكر وكثير التأمل، ولا يعجل في أمر لا يعرفه، ويحترم العقول ويعطي بلا حدود، لا يستأثر بعلمه على أحد يسعى دائما لرفع الجهل عن أمته.

 



[1] القصص/34

[2] نهج البلاغة

[3] الاختصاص باب بعض الحكم والمواعظ ج76 ص1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوارية (122)ماذا يريد الإمام الصادق عليه من شيعته في هذا العصر؟

  حوارية ( 122) ماذا يريد الإمام الصادق (ع) من شيعته في هذا العصر ؟ 👆السائل : في ذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام ماذا يريد منا الإما...