💎حوارية (٩٥)هل هناك علاقة بين التدين والأخلاق ؟
استاذي الكريم بعد التحية
هناك من يستشهد بقوله سبحانه وتعالى {وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(٤)}القلم. فيقول إن الله سبحانه وتعالى مدح نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالخلق العظيم ولم يمدحه بالعبادة وهذا دليل على أهمية الخلق وأنها بمعزل عن العبادة.
فهل الأخلاق وحسن الخلق من الدين ام لا؟ وهل الله سبحانه وتعالى ذكر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وذكر عبادته فأشاد بها ام لا؟
✋الجواب بسمه تعالى :
لكي نعرف العلاقة بين الدين والعبادة نحتاج أن نقف على تعريفهما في معاجم اللغة وهل لهذه التعاريف شاهد من الروايات الشريفة؟
💡الدين هو :
بفتح أوله وسكون ثانيه ، جمع ديون وأدين مصدر دأن يدين ، ما كان في الذمة.
(فقهيا)
💡هذا رجل دّين أي: متمسك بأهداف الدين.
💡الأخلاق
هي: جمع خُلق
مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان التي توصف بالحُسْن أو القُبْح سمو/ كرم الأخلاق.
من خلال التعريفين نجد ثمة علاقة غير منفكه بين الأخلاق والدين فإن الدين هو تلك المنظومة التي تحمل في طياتها العلم والعبادة ومكارم الأخلاق بين العبد وربه وبين العبد ونفسه وبين العبد ومن حوله . من لوازم تكاملها ألا يفصل الإنسان الواعي بينهما فلا غنى عن الممارسات العبادية والأمور الأخلاقية فلو أنفك أحدهما عن الآخر يكون نقص فلا ينال ثواب الدنيا والآخرة فقد ينال أحدهما ويخسر الآخر وقد يحبط أحدهما الآخر فلا قيمة جوهرية لأخلاق حسنة دون دين يظللها ولا قيمة لدين خالي من الأخلاق
ولها شاهد في الروايات مثل:
كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (عليه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحمك الله فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)
م: الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٣٤٧.
☝️السائل : هل صحيح أن الله سبحانه وتعالى لم يمدح النبي في عبادته وتدينه كما مدحه في أخلاقه؟
وإذا كان كذلك فهل هذا دليل على ان الأخلاق اهم من العبادة ( التدين)؟
✋الجواب : غير صحيح بل أن الله سبحانه وتعالى مدح نبيه في كلا الأمرين كما بينا سابقاً فلا ينفك الدين عن الخلق فأحدهما فرع الآخر أن صح التعبير فإذا قلنا الدين خيمة فعمودها الأساس الأخلاق وهنا سنقف عند جملة من الروايات توضح عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله لتقف معي على التكامل العالي في الرسول صلى الله عليه وآله وعترته أهل بيته عليهم السلام الذين أخذوا منه الدين و الخلق
ففي رواية طويلة عن جابر الأنصاري رضوان الله عليه حين أستأذن الدخول على مولانا الامام زين العابدين علي ابن الحسين عليهما السلام يصف فيها عبادته وكيف أنه أهلك نفسه فيها فيصف له الإمام زين العابدين عليه السلام عبادة جده صلى الله عليه وآله وسلم نأخذ منها مكان الشاهد
(..ثم أذن لجابر فدخل عليه، فوجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض علي عليه السلام فسأله عن حاله سؤالا حفيا ثم أجلسه بجنبه، فأقبل جابر عليه يقول: يا ابن رسول الله أما علمت أن الله تعالى إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟
قال له علي بن الحسين عليه السلام: يا صاحب رسول الله أما علمت ان جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد غُفِر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد والتعبد - بأبي هو وأمي - حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟
م:بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ٦٠-٦١ .
وفي رواية أخرى تصف عبادة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم
وروى جعفر بن أحمد القمي في كتاب زهد النبي قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة يربد وجهه خوفاً من الله تعالى، وكان لصدره أو لجوفه أزيز كأزيز المرجل.
م: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨١ - الصفحة ٢٤٨.
موطن الشاهد من الروايتان أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنتفخ ساقه و تورمت قدماه ويقف خوفاً بين يدي هنا بمعنى منتهى التأدب مع الله سبحانه وقلبه يرتجف لأنه واقف أمام محبوبه وهو المعصوم و الكامل وسيد الخلق قاطبة وإنما العبادة هنا له شكراً لله سبحانه وتعالى فكانت المكافأة من الكريم التي لا تنفد خزائنه الجليل في علاه فمنح نبيه الخلق الرفيع وأدبه فأحسن تأديبه فكانت العبادة بوابة لمفاتيح الأخلاق عنده ليسوس بها العباد ويعلمهم العلم والحكمة ويزكيهم ويطهرهم و يرشدهم إلى مكارم الأخلاق كما قال تعالى في محكم كتابه وجميل خطابة
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)}آل عمران . ولها شاهد في الرواية
عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: " إنك لعلى خلق عظيم "، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده، فقال عز وجل: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان مسدداً موفقاً مؤيداً بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شئ مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب الله ..
الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٦٦
ولأمير المؤمنين وصف خاص لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع فيه الدين والخلق عند نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم فلما أخلص في عبادة ربه تفضل عليه سبحانه بنعمه التي لا تحصى فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كان أجود الناس كفا، وأجرء الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة: وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده.
م: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣١.
فالدين و التدين هي علاقة بين المخلوق والخالق والله سبحانه وحده المجازي والمحاسب عليها.
ام الأخلاق فهي تلك العلاقة التي تكون بين المخلوق وأخيه في الدين أو نظير له في الخلق ومن صورها الحب والبغض والإحترام والصدق وغيرها
ولكي تكون هذه العلاقة سليمة لابد من وجود نموذج خاص في الأخلاق والدين تحاكم افعالنا واقوالنا عليه وأفضل نموذج نفخر به هو النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام
حيث أوجب الله علينا اتباع واخذ اثره وأن نتخذه أسوة حسنة بشكل مطلق كما قال تعالى في كتابه العزيز
{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(٤٢٠)} الأحزاب.
إن شاء الله اني وفقت للإجابة على سؤالك.
✍️زاهر حسين العبدالله
https://t.me/zaher000
قاعدة متسالم عليه بل تكاد تكونقاعدة عقلية "إثبات الشيء لا ينفي ما عداه"
ردحذفقاعدة متسالم عليها بل تكاد تكون قاعدة عقلية "إثبات الشيء لا ينفي ما عداه"
حذف