الأربعاء، 22 مايو 2024

وقفة تأملية في محاضرة الشيخ الأستاذ جعفر الغنام


وقفة تأملية في محاضرة الشيخ الأستاذ جعفر الغنام

بعنوان: ولاية العهد قراءة تنقيحية

 

مقدمة:

كما عودنا الشيخ الأستاذ حيث يحاول يقدم قراءة مختلفة لأي موضوع يتناوله في غالب الأحيان

وهنا الشيخ يحاول أن يفتح نوافذ للباحثين والنقاد والدارسين في تناول مفردة ولاية العهد بطريقة موضوعية قلما يستطيع الإنسان الباحث أن ينسلخ عن انتمائه المذهبي وما يلقيه من ظلال في نتائج بحثه فمهما حاول الباحث أن يتناول موضوعاً بطريقة موضوعية حيادية يجد نفسه بشكل لا إرادي ينحاز لموروث انتمائه المذهبي والعقدي وأعتقد أن الشيخ الأستاذ حاول جاهداً أن لا يكون منحازاً لتلك التأثيرات ولذا سمى عنوان كلمته قراءة تنقيحية لولاية العهد لمولانا الرضا عليه السلام

وهنا أحاول وبالله التوفيق أن ألمس ما يريده الشيخ الأستاذ في قراءة التاريخ وطريقة جديدة في التعامل مع الأحداث لكي يرسم طريقة تفكير في تحليلها خارج الانتماء المذهبي من خلال عدة رسائل مهمة سأقف عندها تبعاً

 

الرسالة الأولى:

حينما تريد أن تفهم تصرفات الإمام المعصوم عليه السلام عليك أن تقرأ الأحداث التي عاصرها الإمام ومدى إحكام معرفته بكل الخطط والمناهج والأيدولوجيات التي تصنعها الاتجاهات لتقود جموعهم لتحقيق مأربهم للوصول لكرسي الحكم واستعمال الدين لتحقيقها وكذلك الاتجاهات المعادية للدين ومخططاتها لمحق الدين وهدمه من الداخل عند أتباعه

 

الرسالة الثانية:

نظر المعصوم لتحركات كل الاتجاهات بنظرة دقيقة ومعرفة أهدافها الرئيسة ثم قطع الطريق لتحقيق غايتها سواء كانت في البيت الشيعي المتمثل في الإسماعلية والواقفة أو البيت السني المتمثل في دولة بني العباس أو المجوسية المعادية للإسلام المتمثلة في مخططات وزير المأمون فضل بن سهل المتستر بلباس الإسلام  فمنهم من يريد أن يستخدم الدين للحفاظ على مصالحه ومقاعدهم في التربع على السلطة ومنهم من يريد استنزاف نقاط القوة في الإسلام من خلال خلق الفتن داخله وسقوط القدوات فيه وهدم النموذج الأكمل والأعلى فيه المتمثل في شخصية المعصوم . فإدراك الإمام الرضا عليه السلام لكل هذه التفاصيل يجعله أمام مسؤولية كبرى للحفاظ على بيضة الإسلام وحرمته ليبقى صفحة ناصعة بيضاء في نفوس أتباعه المخلصين.

 

الرسالة الثالثة:

حصر الاتجاهات والتيارات والظروف وتعيينها بدقة من قبل الإمام الرضا عليه السلام كي تكون وفق تصنيف معين ثم التعامل مع كل واحدة منها بما يناسبه من آليات كي يقطع الطريق أمام المخططات التي تريد هدم الدين تصحيح بعض مسارات الاتجاهات وتقويمها لتعود في المسار الصحيح وفق ترتيبها الزمني والتاريخي منها

١-سجن الإمام الكاظم عليه السلام لفترات طويلة وتصديه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خدمة الدين وأهله

٢-الفرقة الإسماعلية التي أرادت أن يكون لها حضور في المشهد التاريخي

٣-الفرقة الواقفية بقيادة علي بن حمزة البطائني الذي أنكر إمامة الإمام الرضا عليه السلام بعد استشهاد أبيه الإمام الكاظم عليه السلام

٤-تأخر الإنجاب للإمام الرضا عليه السلام من الولد الذكر حيث تركه وهو ابن سنة تقريباً وأوصى أخاه وأن يهتم برعايته ولا يتقدمه في قول وفعله لأنه المعصوم المفترض الطاعة بعده وذلك نتيجة إخراج الإمام قسراً من مدينة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والذهاب به للمأمون العباسي في خرسان.

٥-الطابع العام للدولة العباسية الذي صوره أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني فسلط على جانب من حياة هذه الدولة وكيف أنها غارقة في اللهوات والغناء والجواري. فسلط الضوء على سياسة هارون العباسي في جانب الغناء وكيف أنه اختار مائة صوت ثم حصرها في انتخاب ثلاثة أصوات واستعمالها كورقة إعلامية مهمة يمرر من خلالها سياسية الدولة مستغلاً ضعف الشعراء أمام الدينار والدرهم ليكونوا مرتزقة وفيةً للحاكم العباسي. بالرغم أن الفرج الأصفهاني كان بصدد احياء الألحان المندثرة التي أقصاها الخليفة العباسي.

٦-سياسية الخليفة العباسي هارون في تعيين ولاية العهد لأحد ابنيه الأمين والمأمون متبعاً شهواته ورغباته بعيداً عن مصلحة الدين وأهله وتوليته ابنه الأمين المعروف بسكره وشدة لهواته ليكون خلفاً له على ربوع الدولة الإسلامية وكشف هذا المخطط من قبل الوزير فضل بن سهل المتستر بالإسلام ثم العمل على منع ذلك الاختيار بالتنسيق مع الأبن الثاني للخليفة العباسي وهو عبد الله المأمون وفق شروط سنقف عليها لاحقاً بشكل مجمل .

٧-دور المجوسية بقيادة فضل بن سهل لإسقاط الإسلام وهيبته في نفوس أتباعه مستغلاً وجود المأمون العباسي على دكة الحكم .

 

الرسالة الرابعة:

 الوقوف بتأمل مع الحركات والاتجاهات التي تنظر لولاية العهد بنظر الريبة والشك من جهة ومن يرد أن يستثمرها في فرض نفوذه في جسد الخلافة من قبيل المجوسية المتمثلة في وزير المأمون العباسي .

فوزير المأمون العباسي المتستر بلباس الإسلام فضل بن سهل

المولود من تيار الخرمية المجوسية المنتسبة لأبي مسلم الخراساني والعقل المدبر لها لاختراق البيت الإسلامي وهدم القدوات والنماذج الكاملة فيه . ثم السيطرة على مقدرات وثروات العالم الإسلامي لصالح قومه مستغلاً وجوده في بيت المأمون العباسي وجعله جسراً لنجاح تلك الخطط فدبروا لقتل الأمين العباسي وتنصيب أخيه المأمون العباسي حاكم عليهم وما صاحبها من إخماد الثورات كثورة ابن طباطبا بقيادة أبي السرايا في الكوفة، وثورة الأفطس في المدينة. لتوطيد حكم المأمون العباسي ولكن لم يكن الثمن مجانا بل بشروط ومن شروطهم أن يجعل ولاية العهد في واحد من البيت العلوي ليس حباً في البيت العلوي أو استرضاءً لهم بل لهدم أهم ركن في الإسلام فيه وإلغاء خصوصية هذا الإمام المعصوم وذلك باستهداف ارتكاز في الذهن الشيعي والإسلامي المأخوذ في سيرة أهل البيت عليهم السلام وهو الزهد عن زبرج الدنيا وزهوتها فقبول ولاية العهد من الإمام عليه السلام سيحدث زلزال في هذا المركوز عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام لمن لا يعرف من هم وما هي حدود تصرفاتهم المسددة من قبل الحق سبحانه. ثم موافقة المأمون العباسي بهذا الشرط ولكن الإمام الرضا عليه السلام كان على علم وبصيرة بهذا المخطط ومكشوفاً لديه ولذا تعامل معه بحكمة فقلب الموازين رأساً على عقب وإفشال أكبر مؤامرة حيكت ضد الإسلام وأهله بل استفاد من هذا المنصب لرفعة الإسلام وأهله وفضح من تسنم سنامه ظلماً وعدوانا . رغم أن هذا القبول لم يكن بالرضا بالإكراه وتحت ضغط السيف .

 

 

الرسالة الخامسة

٦-قبول ولاية العهد من قبل الإمام الرضا عليه السلام بشروط تجعله مجرد صورة لا أكثر فلا يعزل ولا ينصب ولا يحكم ولا يتدخل في تفاصيل الحكم والبقاء في مربع التوجيه والنصح من بعيد فكشف بتلك الشروط مدى هشاشة وكذب الخلافة العباسية وأركانها وتفويت الفرصة على الفضل بن سهل لهدم الدين وذلك بزج الإمام المعصوم في أهم أركان الدولة.

 

الرسالة السادسة:

بيان عظمة الإمام الرضا عليه السلام وقوة حجته حتى أذعن له الجميع بالفضل و العلم. حينما عقد المأمون العباسي مجلس مناظرة دعا فيها جميع الديانات من النصارى واليهود والزردشتية والملاحدة والزنادقة وغيرهم كي يخلط أوراق الأفضلية التي كانت مهيمنة على نفوس وأرواح أتباعه كي يظهر عجز الإمام الرضا عليه السلام أمامهم ولكن انقلب هذا التصور لسراب ما إن نطق الإمام أرواحنا فداه وقوة ملكته في معرفة علوم الديانات وكتبهم ودحض حججهم فأذعن الجميع بفضله وقدرته وصلابته في دين الله سبحانه وأنه النموذج الأكمل الذي يمثل الدين الإسلامي بكل أبعاده حيث انتشرت أخبار هذه المناظرة آفاق الأمصار والبلدان فعلت مكانة الإسلام وأهله المتمثل في الإمام الرضا عليه السلام .

وربط قوة هذه البصيرة التي مارسها الإمام عليه السلام بواقعنا المعاصر فما أحوجها اليوم كي نكون على حذر من كل مايحاك من خطط لهدم هذا الدين وأهله حيث

قال الشيخ الأستاذ : من هنا يظهر لنا أننا نعيش في لحظة تاريخية تتشابه كثيرا مع اللحظة الرضوية فما أحوجنا أن نتدارسها بنحو جاد لنستبصر من خلالها طريق النجاة كما نجا الإمام الرضا عليه السلام وأصحابه الكرام لأننا نعيش في عصر تروج فيه وبصورة عالمية أفكار الإلحاد والتهتك كالمثلية وغيرها من نماذج السقوط الأخلاقي والديني.      

 

 

الرسالة السابعة :

تناول الشيخ الأستاذ مادة بحثية لا يلتفت عليها بشكل دقيق وهي سك النقود الذهبية باسم الرضا عليه السلام وذلك إمعان التظليل الممارس ضد أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وتضعيف عقيدتهم في إمامهم المعصوم وأنه شريك عن كل ظلم يقوم به النظام العباسي وذلك بسك عملة نقدية مكتوب عليها إسم الإمام الرضا عليه السلام تتداول في السوق بين ايدي الناس . ولكن هيهات من ذلك لأن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون والكافرون والمعاندون والجاحدون الماكرون أمثال المأمون العباسي ووزيره الفضل بن سهل وهنا لفت إلى شيء مهم حيث فتح آفاقاً للدارسين والباحثين في أمر المسكوكات النقدية التي كانت مرتبطة بحياة صاحبها فإن مات أزيلت من السوق بشكل تدريجي ووضعت مكانها الحاكم الجديد والغريب في الأمر أن الإمام استشهد  عليه السلام  في ٢٠٣ ه  كما ينقل لنا التاريخ وبقي التعامل بهذه المسكوكة النقدية حتى ٢٠٥ أي بعد استشهاد الإمام الرضا بعامين مما يفتح التساؤل بناءً على الفرضية الأولى أن المسكوكة النقدية المسجل عليها هي تزول بزواله وبين فرضية أن تاريخ الاستشهاد لم يكن دقيقاً بل تكون واستشهاد الإمام سنة ٢٠٥ وهذا ما يميل به الشيخ الأستاذ حيث وجدت نسخة مسكوكة نقدية تعود لذلك التاريخ في متحف العتبة العباسية كما فتح البحث للمتأمل عن تاريخ المسكوكات النقدية لمعرفة تواريخ الحكام وأسباب كتابتها وظروفها الغامضة وعلاقتها في فهم التاريخ

 

الرسالة الثامنة:

سلط سماحة الشيخ الأستاذ على الجانب الروحي والعبادي لمولانا الرضا عليه السلام حيث سجله في صورتين  ضمناً حين الاستسقاء وحينما أمره المأمون العباسي بأن يصلي بالناس حيث شرط على المأمون أن يخرج بهيئة خرج بها جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجده المرتضى أمير المؤمنين عليه السلام فوافق المأمون على شرطه فاغتسل الإمام ثم لبس عمامة بيضاء ألقى بطرفها على منكبه ثم خرج حافي القدمين وأمر غلمانه وأتباعه أن يفعلوا ذلك فما أن رآه عساكر الشرطة لم يتمالكوا أنفسهم حتى نزلوا من خيولهم ونزعوا أحذيتهم وساروا خلف إمامهم فصار موكباً مهيباً جداً فكبر ثلاثاً بقوله الله أكبر الله أكبر الله أكبر فعرج سماحة الشيخ الأستاذ بأرواح مستمعيه ونقلهم إلى صعيد عرفات كي يكبروا مع الإمام الرضا عليه السلام وهذه طريقة يجمع من خلالها الشيخ الأستاذ بين جانبين مهمين العلم والروح المتعلقة بالله في شخصية الإمام الرضا عليه السلام .

 

الخاتمة:

حفظ الله الشيخ الأستاذ وأدامه في خدمة الدين وأهله سائلين العلي القدير أن يديم فضله عليه ويوفقه ويحصنه من مضلات الفتن أنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.

 

✍️: زاهر حسين العبد لله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟

  🔲 حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟ ☝️السائل:   سلام عليكم بوسجاد كلما تنصح أحداً أو تنبه أحداً أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر مبا...