الثلاثاء، 30 يوليو 2024

دور الإمام السجاد "عليه السلام" الرسالي في رحلة السبي.

 دور الإمام السجاد "عليه السلام" الرسالي في رحلة السبي.

 

مقدمة

إن الإمام السجاد عليه السلام تحمل أعباء الإمامة في الوقت الذي استشهد أبوه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء فقام بعد هذه الفاجعة بعدة أدوار رغم الألم الشديد الذي واجهه الإمام من ثقل الحديد على جسده الشريف وثقل المصاب على قلبه الشريف فتركز حول ثلاث نقاط :

 

١-الصبر على المصاعب والمحن وتحمل المسؤولية في رعاية الحرم والعيال.

٢-كشف زيف المشروع الأموي أمام مناصريه.

٣-تعليم الأمة قواعد التعامل مع الدنيا .

 

١-الصبر على المصاعب والمحن وتحمل المسؤولية في رعاية الحرم والعيال.

 

حيث بدأت أول المهام على قلبه الجريح حينما جاءته عمته فخر المخدرات عليها السلام والنيران قد اشتعلت في المخيمات وارتفعت أصوات الأطفال واليتامى في هلع وخوف من وقع الفاجعة

قال المازندراني في (معالي السبطين) ج 2 ص 52:

و في بعض المقاتل: أن زينب الكبرى (عليها السلام) أقبلت على زين العابدين (عليه السلام) و قالت: يا بقية الماضين و ثمال الباقين، قد أضرموا النار في مضاربنا، فما رأيك فينا؟. فقال (عليه السلام) عليكن بالفرار. ففررن بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم    صائحات باكيات نادبات، إلا زينب الكبرى (عليها السلام) فإنها كانت واقفة تنظر إلى زين العابدين (عليه السلام)، لأنه لا يتمكن من النهوض و القيام ... (١)

قال بعض من شهد ذلك :

رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة ، والنار تشتعل من جوانبها ، وهي تارةً تنظر يمنة ويسرة ، وتارةً أخرى تنظر إلى السماء ، وتصفق بيديها ، وتارةً تدخل في تلك الخيمة وتخرج .

فأسرعت إليها وقلت : يا هذي ! ما وقوفك ها هنا والنار تشتعل من جوانبك؟ ! وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرقن ، ولم لم تلحقي بهن ؟ ! وما شأنك؟ !

  فبكت وقالت : يا شيخ إن لنا عليلاً في الخيمة ، وهو لا يتمكن من الجلوس والنهوض ، فكيف أفارقه وقد أحاطت النار به ؟

  وعن حميد بن مسلم قال : رأيت زينب ـ حين إحراق الخيام ـ قد دخلت في وسط النار ، وخرجت وهي تسحب إنساناً من وسط لهيب النار ، فظننت أنها تسحب ميتاً قد احترق ، فاقتربت لأنظر إليه ، فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين .

 

ثم بدأ الركب الحسيني بصعود النياق العجف وصوت الألم من كل جانب حيث قام بهذا الدور السيدة زينب الكبرى عليه السلام وابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام

فكانت بعد نظرات الحسرات والآهات وأبطال كربلاء مرملين على بوغاء الثرى مجزرين كالأضاحي هذا المشهد يحتاج وعد خاص يعطي الأمل لجميع المستضعفين في الأرض بوعد الله سبحانه وتعالى

فقالت السيدة زينب عليها السلام لابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام

تبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فقلت:

وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر.

فقالت: لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام و ليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا.

فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟ فقالت: حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام، فعملت له حريرة صلى الله عليهما، وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن: فأتيتهم بعس فيه لبن

وزبد، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله)وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)من تلك الحريرة، وشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده وعلي (عليه السلام)يصب عليه الماء.فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن و الحسين (عليهم السلام) نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجدا وهو ينشج، فأطال النشوج وعلا نحيبه، وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك، قال له علي وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما ترى من حالك؟

فقال: يا أخي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط  وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم، إذ هبط علي جبرئيل فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة، وهناك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحبى، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا; ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطا خبطا، وقتلا قتلا، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم، ولك فيهم، فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم.

ثم قال جبرئيل: يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة، وأشقى البرية، نظير

عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم.

وإن سبطك هذا وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك، وأخيار من أمتك، بضفة الفرات، بأرض تدعى كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك، في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفني حسرته، وهي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة، وإنها لمن بطحاء الجنة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السماوات بأهلها، غضبا لك يا محمد ولذريتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين.

الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار من فيهن: إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب، ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي، وانتهك حرمته وقتل عترته، ونبذ عهده وظلم أهله عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين.

فعند ذلك يضج كل شئ في السماوات والأرضين، بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها، تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت والزمرد، مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة، وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء، وألبسوها الحلل، وحنطوها بذلك الطيب وصلى الملائكة صفا صفا عليهم.

ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولانية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك .

البطحاء يكون علما لأهل الحق، وسببا للمؤمنين إلى الفوز، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة، ويصلون عليه ويسبحون الله عنده و يستغفرون الله لزواره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: " هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء " فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار ، يدل عليهم ويعرفون به.

وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا، ومعنا من ملائكة الله مالا يحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك، لا يريد به غير الله عز وجل وسيجد أناس حقت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا. (٢)

 

٢-كشف زيف المشروع الأموي أمام مناصريه

الإمام السجاد روحي له الفداء من أدواره هو هدى ونور للعالمين يعلمهم ويزكيهم إلى الصراط المستقيم رغم كل الجراح والآلام لا يقصر في خدمة الدين وأهله مهما واجه من المضللين بالإعلام الأموي الذي شحن أذهان الناس أن عترة أهل البيت عليهم السلام خوارج يجب قتلهم وسبي نسائهم ولا يمتون للإسلام بصلة ومن الشواهد على ذلك حينما دخلت السبايا الشام ورآهم ذلك الشيخ الكبير ويريد أن يتقرب لله بسبهم وشتمهم جهلاً منه لهم فجرى هذا الحوار فقد ورد في التاريخ .

قال: وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله، وهم أقيموا على درج باب المسجد،

فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟

قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " 

قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى "  قال نعم، قال علي: فنحن القربى يا شيخ وهل قرأت هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }  قال الشيخ:

قد قرأت ذلك قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ!

قال: فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال: بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين: تالله إنا لنحن هم من غير شك، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، وأنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل .(٣)

وخطاب الإمام السجاد عليه السلام أمام طاغية عصره خطبة زلزلت عروش الظالمين وكشفت زيف المبطلين وعرفت مقام أهل بيت النبوة وموضع الرسالة حيث قال الإمام السجاد عليه السلام

أيها الناس، أعطينا ستا، وفضلنا بسبع:

أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين.

وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرسول، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة.

فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي:

أنا ابن مكة ومنى. أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الردا.أنا ابن خير من ائتزر وارتدى.

أنا ابن خير من انتعل واحتفى.أنا ابن خير من طاف وسعى.أنا ابن خير من حج ولبى.أنا ابن من حمل على البراق في الهوا.أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى.أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى.أنا ابن من دنى فتدلى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.أنا ابن من صلى بملائكة السما.أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى.أنا ابن محمد المصطفى.أنا ابن علي المرتضى.أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلا الله.أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين.

أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين، ورسول رب العالمين.أنا ابن المؤيد بجبرائيل، المنصور بميكائيل.أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب استجاب لله، من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر دين الله، وولي أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله، سمح سخي، بهلول زكي أبطحي رضي مرضي، مقدام همام، صابر صوام، مهذب قوام شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرق الأحزاب، أربطهم جنانا، وأطلقهم عنانا، وأجرأهم لسانا، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب - إذا ازدلفت الأسنة، وقربت الأعنة - طحن الرحى، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، صاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنص والاستحقاق مكي مدني، أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين، الحسن والحسين، مظهر العجائب، ومفرق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كل طالب غالب كل غالب، ذاك جدي علي بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهرا.أنا ابن سيدة النسا.أنا ابن الطهر البتول.أنا ابن بضعة الرسول.

أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء.أنا ابن المرمل بالدما.أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلما.

أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهوا.) قال: ولم يزل يقول: (أنا أنا) حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن، فقطع عليه الكلام وسكت.

فلما قال المؤذن (الله أكبر!) قال علي بن الحسين: كبرت كبيرا لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شي أكبر من الله.

فلما قال(أشهد أن لا إله إلا الله!) قال علي: شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعظمي.

فلما قال(شهد أن محمدا رسول الله!) التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد وقال: يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت. وإن قلت إنه جدي، فلم قتلت عترته؟

فأدى كلام الإمام عليه السلام إلى أن تتبخر كل الدعايات المضللة التي روجتها السياسة الأموية، والتي تركزت على: أن الأسرى هم من الخوارج! فبدل نشوة الانتصار إلى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين!(٤)

٣-تعليم الأمة بقواعد التعامل مع الدنيا 

ومن أدوار الإمام السجاد عليه السلام أنه وضع قواعد أساسية لمعرفة مكامن الشيطان عليه لعنة الله والتي من خلالها يدخل لمكامن النفس البشرية ليحرفه عن طاعة الله سبحانه والوقوع في وحل الذنوب والمعاصي فقد ورد عن

محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك  لشعبا كثيرة وللمعاصي شعب فأول ما عصى الله به الكبر، معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، ثم الحرص وهي معصية آدم وحواء (عليهما السلام) حين قال الله عز وجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين  " فأخذا مالا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.(٥)

 

المصادر

(1)   الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب

(2)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٧ إلى ٦٠ .

(3)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١٢٩.

(4)   جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - الصفحة ٥١ إلى ٥٦.

(5)   الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٣١٧.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟

  🔲 حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟ ☝️السائل:   سلام عليكم بوسجاد كلما تنصح أحداً أو تنبه أحداً أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر مبا...