🔲 الإمام السجاد (ع) وسلاح الدعاء
قال تعالى { وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٧٦)}البقرة .
مقدمة :
الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة بنت النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الرابع من السلسلة الذهبية من آل محمد (ص) الذين نجوا من فاجعة الطف الأليمة وأكثر أهل البيت عمراً في إمامته عليه السلام فقد دامت إمامته (٣٤) عاما من عمره الشريف حيث تسلم مقاليد الإمامة وهو ابن (٢٣) واستشهد وهو ابن (٧٦ ) سنة حسب المشهور تاريخياً ، ولد (سلام الله عليه) في السنة الثامنة و الثلاثين للهجرة في المدينة المنورة في الخامس من شهر شعبان المعظم ، و كانت ألقابه (عليه السلام) هي :(زين العابدين، و ذو الثفنات، و سيّد العابدين ، و قدوة الزاهدين، و سيّد المتّقين، و إمام المؤمنين، و الأمين، و السجّاد ، و الزكي، و زين الصالحين، و منار القانتين، و العدل، و إمام الأمة ، و البكّاء) ، وقد اشتهر بلقبي (السجاد، و زين العابدين) أكثر من غيرهما.
سنقف على أدوار الإمام السجاد عليه السلام باختصار بعد استشهاد أبيه سيد الشهداء الحسين عليه السلام فيما يلي :
١-دوره في رحلة السبي ورعاية عائلة أبيه الحسين عليه السلام.
٢-دوره في المدينة المنورة
١-دوره في رحلة السبي ورعاية عائلة أبيه الحسين عليه السلام
حمل الإمام السجاد عليه السلام ثقل الإمامة بعد استشهاد أبيه عليه السلام فبدأ يواجه الظلمة بصبر وثبات وحجة وبيان مثال ذلك
خطبته المزلزلة في مجلس يزيد بن معاوية نذكر شيئاً منها
قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي....(١)
حيث قلب الرأي العام على الحاكم الظالم بقوة حجته وبيانه ، وكان من أدواره رفع الجهل عن المضللين من الدعاية الأموية أنهم خوارج حيث بين لهم أنهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله ليسو خوارج كما نشروا ذلك في الشام نأخذ شاهداً على ذلك حينما دخل الإمام السجاد عليه السلام الشام وقف قبال الإمام السجاد عليه السلام رجل وهو يقول
الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " قال نعم، قال علي: فنحن القربى يا شيخ وهل قرأت هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " قال الشيخ:
قد قرأت ذلك قال علي السجاد(ع): فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ!
قال: فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال: بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين: تالله إنا لنحن هم من غير شك، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، وأنت معنا، فقال: أنا تائب..(٢)
ولم يكتفِ الإمام السجاد رفع الجهل عن المسلمين فقط بل حتى المسيحيين حيث سأل الإمام السجاد راهباً عن أول معصية عصي الله بها ينقلها
الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) أي الأعمال أفضل عند الله عز وجل؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا، فأول ما عصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، والحرص وهي معصية آدم وحواء حين قال الله عز وجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأخذا مالا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك:حب الدنيا رأس كل خطيئة..(٣)
نكتفي بهذا القدر من أدواره في هذه المرحلة. النقطة الثانية في المدينة المنورة.
٢-دوره في المدينة المنورة
كانت له أدوارا عدة سنذكر أبرزها :
[١] قراءة القرآن الكريم وتعليمه ورفع الصوت به عند باب داره
حيث كان الناس يجتمعون ليسمعوا صوته الشجي فيأخذ مجامع قلوبهم
فعن الحجال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) أحسن الناس صوتا بالقرآن و كان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر (عليه السلام) أحسن الناس صوتا.
[٢] كان يذكر الناس بمصيبة أبيه الحسين عليه السلام ليحيي الضمائر الميتة ويرفع راية المظلمة كي تعيد الناس حساباتهم وتعود لتعاليم الدين الأصيل وتنبذ الظلم والفسوق والعصيان ونذكر هنا شاهداً على فعل الإمام السجاد عليه السلام
فعن الصادق عليه السلام أن زين العابدين عليه السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله، فإذا كان وقت إفطاره أتاه غلامه بطعامه وشرابه فيقول: قتل أبو عبد الله عليه السلام جائعا، قتل أبو عبد الله عليه السلام عطشانا، ويبكي حتى يبل طعامه بدموعه ويمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل.(٤)
[٣]اهتم الإمام السجاد بنشر علوم أهل البيت عليهم السلام بأسلوب الدعاء فمن يقرأ أدعية الإمام السجاد عليه السلام يراها غزيرة بالعلم والمعرفة والأخلاق والآداب وتنظيم العلاقات بين الناس وكأنها دستور حياة لصلاح البشرية فقد كتب الموالين عن السجاد عليه السلام الصحيفة السجادية التي مُلأت كلماتها نورانية روحية تكاملية في الليالي والأيام من تعقيبات وتكامل الروح الإنسانية من خلال المناجاة الخامسة عشر التي تعالج أبعاد الروح الإنسانية .
[٤]اشتغل الإمام السجاد عليه السلام بتربية خواصه من الشيعة في السيرة والسلوك وخصهم بأدعية خاصة مثل أبي حمزة الثمالي الذي علمه دعاءً به مضامين عالية في القرب لله سبحانه وتعالى وكذلك دعاء يوم عرفة في الحج ودعاء أم داوود وغيرها من الأدعية الخاصة والعامة التي عمد الإمام لتزكية النفس وتصفيتها وإخلاصها لله سبحانه وتعالى .
[٥] أسس الإمام السجاد قانوناً ينظم العلاقات بين العبد وربه وبين العبد والناس وبين العبد وأهله وعياله تحت عنوان رسالة الحقوق التي تعتبر وثيقة وضعت الحدود والحقوق بين الناس
[٦]عمد على تأسيس نظام التكافل الاجتماعي ورفع الحاجة عن المحتاجين وقضاء وحوائجهم ورعاية الأيتام ورفع الفقر والحاجة عنهم فقد كان الإمام السجاد عليه السلام يسعى في قضاء حوائج الناس ويضع جراب الطعام في الليل ليسعى به في قضاء حوائج الفقراء ليلاً حتى أثر الجراب على كتفه عليه السلام
[٧]نشر العدل والمساواة في قلوب الناس وعلمهم وهذبهم بتعاليم الإسلام الأصيل من خلال سلوكه العام الظاهر منه والمستور للخواص حتى أصبحت هيبته عليه السلام ترعد قلوب الظالمين وتأنس بها قلوب الوالهين والعاشقين حتى إذا دخل الكعبة المشرفة لاستلام الحجر الأسود تنفرج الناس له سماطين هيبة منه عليه السلام كما حصل في قدوم هشام بن عبد الملك ليتناول الحجر الأسود فلم يتمكن من الوصول إليه فأمر بوضع كرسي له لينظر للكعبة المشرفة وما هي إلا لحظات فدخل الإمام السجاد عليه السلام فانفرج الناس سماطين حتى وصل الحجر الأسود فقبله فبدت حسيكة النفاق والحسد من هشام بن عبد الملك فسأل مستنكرا وهو يعرفه عز المعرفة من هذا الذي انفرجت الناس له سماطين فانتفض الشاعر المعروف الفرزدق غيرة وحمية على مقام السجاد عليه السلام وقال أبياتاً تكتب بماء الذهب وفيها صفات الإمام السجاد عليه السلام التي استحكمت في نفوس الناس من خلال سيرته العطرة نذكر بعضها :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده * صلى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء * يلثمه لخر يلثم منه ما وطئ القدم
هذا علي رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمه الطيار جعفر * والمقتول حمزة ليث حبه قسم
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة * وابن الوصي الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم (٥)
نكتفي بهذا القدر من سيرته العطرة أرواحنا فداه والحمد لله رب العالمين.
✍️زاهر حسين العبدالله
المصادر:
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١٣٨.
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١٢٩.
(3) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ١٣٠.
(4) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢٥ - الصفحة ٢٧٨.
(5) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - الصفحة ١٢٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق