📖 مقاربات قرآنية وروائية

 



📖 مقاربات قرآنية وروائية

 

1- ماهي الدوافع التي اوعزت لبني اسرائيل تكرار طلب صفات البقرة؟

يحتمل في مقام الجواب ان طبيعة بني اسرائيل لم يتعودوا ان يلتزموا أوامر الله سبحانه بسهولة بل 

بالتعنت والمماطلة يُظهر بنو إسرائيل في القرآن نمطًا من الجدل والعناد في تنفيذ أوامر الله، كما في مواقف أخرى (مثل قولهم: "أرنا الله جهرة"). تكرار أسئلتهم عن البقرة قد يعكس محاولة للتأخير أو التهرب من الامتثال للأمر الإلهي. ويحتمل يكون الحرص الزائد على التفاصيل الدقيقة  

   بسبب طبيعتهم المشهورة بالتشديد والتدقيق (كما في التلمود)، ربما أرادوا ضمان الامتثال الحرفي للأمر دون أي خطأ، فسألوا عن كل صغيرة وكبيرة. فالعبرة من القصة تبرز كيف أن التعقيد الزائد يؤدي إلى المشقة، بينما الطاعة البسيطة كانت كافية. كما أنها تحذر من اتباع نهج بني إسرائيل في الجدل العقيم.

كما ذكر لنا العلامة الطباطبائي في الميزان حينما قال: من قوله: وإِذْ قالَ مُوسی‌ إلی قوله: وما كادُوا يَفْعَلُونَ‌، كالمعترضة في الكلام تبين معنی الخطاب التالي مع ما فيها من الدلالة علی سوء أدبهم وإيذائهم لرسولهم، برميه بفضول القول ولغو الكلام، مع ما فيه من تعنتهم وتشديدهم وإصرارهم في الاستيضاح والاستفهام المستلزم لنسبة الإبهام إلی الأوامر الإلهية وبيانات الأنبياء مع ما في كلامهم من شوب الإهانة والاستخفاف الظاهر بمقام الربوبية.. [تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١ - الصفحة ١٩٩]

 

2- ما لعوامل المعنوية انهم قالوا لموسى في الوصف الثالث والاخير الآن جئت بالحق؟

 

يحتمل أن يكون الجواب هو الاعتراف بالحقيقة بعد التعسير الذي أوجدوه من كثرة طلباتهم. 

  فلو أنهم قبلوا الأمر من البداية (ذبح أي بقرة) لكان الأمر سهلاً، لكنهم بالغوا في الطلب حتى أصبحت البقرة نادرة وذات مواصفات صعبة.  ثم اعترافهم حيث قالوا {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} يعني أنهم أدركوا أخيراً أنهم هم الذين أوقعوا أنفسهم في المشقة بسبب تعنتهم.

ولو رجعنا لتفسير تفسير النور للشيخ محسن قراءتي 

قد تجاوز اليهود حدود الأدب واللياقة في تصرّفاتهم مع نبيّهم، فقد كانوا يفتّشون عن مخرج أو مهرب، لكنّهم عندما جوبهوا بالحقّ واُجبروا علی تنفيذ الأمر الإلهي، قالوا لموسی: «الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ»، وكأنّه قبل ذلك جاءهم بالباطل. [ تفسير النور – ج١ – ص ١٣٧ ]

 

3- لماذا شدد الله على بني اسرائيل في قضية البقرة وكيف كان يمكن ان يختصروا البحث بالدليل القرآني؟

 

يحتمل أن يكون الجواب لو أن بني إسرائيل امتثلوا مباشرة دون تعقيد، لكانت أيَّ بقرة عادية تذبح فيها كافيه ولكنهم عاندوا:  

1- فكان الأمر الأولي من الحق سبحانه كان مطلقًا (أي بقرة) دون قيود  

  حيث بدأ الأمر بسيطًا جدًا، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ (البقرة: 67) دون تفاصيل.  فلو أنهم ذبحوا أي بقرة من البداية، لَقُبِل منهم

٢-بدا إظهار ضعف اليهود في إيمانهم وتلكؤهم في الطاعة لأوامر الحق سبحانه 

3 - لو كانوا اليهود صادقين في طلب الحق، لامتثلوا من أول مرة، لكن قولهم [الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ] يكشف أن قلوبهم كانت مترددة، وأن إيمانهم لم يكن كاملاً. هنا 

 

 

 

 

سؤال: لماذا خصت البقرة دون غيرها من الحيوانات؟ 

 

هناك عدة تحليلات لاختيار البقرة دون غيرها ونذكر هنا تحليل وهو:

إن البقرة كانت من أغلى ممتلكاتهم (مصدر غذاء وثروة)، فذبحها اختبارٌ لمدى طاعتهم المالية قبل الطاعة العملية. فلو كان المطلوب ذبح حيوانًا أقل قيمة (مثل شاة)، لكان الأمر أهونَ عليهم، لكن البقرة كانت تضحيتهم الكبرى كما أن بعض اليهود كانوا يعبدون العجل (كما في حادثة السامري)، فذبح البقرة كان تطهيرًا من بقايا عبادة العجل. 

 

4-   ما الدليل القرآني ان الاعجاز لم يكن في يقين بني إسرائيل؟

 

لعل الجواب لو كان عند بني إسرائيل يقين وعدم التشكيك والتردد، لاستغنوا عن كل هذه الأسئلة التفصيلية وآمنوا حقًا بأن الأمر من الله، لقالوا: [سمعنا وأطعنا] كما فعل المؤمنون، لكنهم جعلوا البسيط معقدًا، وهذا دليل على مرض أعترى قلوبهم كما جاء في قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾١٠: البقرة. 

 

 

 

5-   ماهي اركان التوازن في سورة البقرة ان كانت من ناحية نوع البقرة ومن ناحية الإعجاز؟

 

قد يكون الجواب أن أركان التوازن في قصة البقرة وصفتها واختيار مقسمة بين الجسدي والإعجازي والنفسي والتربوي وكل واحد من التوازنات يحتاج توضيح  

 

1- التوازن الجسدي هو: صفات معتدلة (ليست صغيرة ولا كبيرة، لون نادر لكن غير مستحيل).             

2- التوازن الإعجازي هو: معجزة إحياء الميت بعد الطاعة، وليس قبلها وهذا إظهارًا لأهمية الامتثال أولًا. 

3- التوازن النفسي هو: كلما تعنتوا زادت المشقة، لكن الله قبل منهم في النهاية فحملت هذه التجربة (عقوبة + رحمة) في سبيل صلاحهم. 

4- التوازن التربوي هو: درس للمؤمنين بعدم التشديد في الدين مثل بني إسرائيل. فقوله تعالى ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى﴾ (البقرة: 71-73).  

فالقصة جمعت توازنًا بين الظاهر (الجسد) والباطن (المعنى)، وبين العقاب والرحمة، وبين الاختبار والعبرة، مما يجعلها نموذجًا كاملًا للدروس الإيمانية!

 

6-   ما لمعنى في انها بقرة صفراء فاقع لونها؟ ما لميزة في كلمة فاقع؟

لعل الجواب في طلب هذا اللون بالذات 

1- تمييزها بسهولة: حتى لا يختلفوا فيها (لأنهم معروفون بالمجادلة).  

2- ندرة لونها: لتكون اختبارًا لطاعتهم (فالبقرة بهذا اللون النادر ستكون صعبةَ المنال).  

3- إظهار الإعجاز: لونها غير عادي، مما يجعلها أقرب إلى "آية" تُذكِّر بقدرة الله.  

 

 

 

7-   ماهي الروايات عن اهل البيت عليهم السلام حول قصة البقرة ومالكها وما هي المعطيات المقامية التي اعطت صاحب البقرة لذلك؟

 

حينما تقلبت في بعض الروايات الخاصة بتفسير هذه الآيات وجدت روايتان بهما فوائد كثيرة ممكن أن نستلهم من العبر 

الرواية الأولى:

الصّادق (علیه السلام) - إِنَّ رَجُلًا مِنْ خِیَارِ بَنِی‌إِسْرَائِیلَ وعُلَمَائِهِمْ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْهُمْ فَأَنْعَمَتْ لَهُ وخَطَبَهَا ابْنُ عَمٍّ لِذَلِکَ الرَّجُلِ وکَانَ فَاسِقاً رَدِیئاً فَلَمْ یُنْعِمُوا لَهُ فَحَسَدَ ابْنُ عَمِّهِ الَّذِی أَنْعَمُوا لَهُ فَقَعَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ غِیلَةً ثُمَّ حَمَلَهُ إِلَی مُوسَی (علیه السلام) فَقَالَ: یَا نَبِیَّ اللَّـهِ! هَذَا ابْنُ عَمِّی فَقَدْ قُتِلَ. فَقَالَ مُوسَی (علیه السلام): مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِی. وکَانَ الْقَتْلُ فِی بَنِی‌إِسْرَائِیلَ عَظِیماً جِدّاً فَعَظُمَ ذَلِکَ عَلَی مُوسَی (علیه السلام) فَاجْتَمَعَ إِلَیْهِ بَنُوإِسْرَائِیلَ فَقَالُوا: مَا تَرَی یَا نَبِیَّ اللَّـهِ.‌ [بحار الأنوار، ج١٣، ص٢٠٩.]

الرواية الثانية 

العسکری (علیه السلام)- تَضْرِبُونَ بِبَعْضِهَا هَذَا الْمَقْتُولَ بَیْنَ أَظْهُرِکُمْ لِیَقُومَ حَیّاً سَوِیّاً بِإِذْنِ اللَّـهِ تَعَالَی وَ یُخْبِرُکُمْ بِقَاتِلِهِ وَ ذَلِکَ حِینَ أُلْقِیَ الْقَتِیلُ بَیْنَ أَظْهُرِهِمْ فَأَلْزَمَ مُوسَی (علیه السلام) أَهْلَ الْقَبِیلَةِ بِأَمْرِ اللَّـهِ أَنْ یَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْ أَمَاثِلِهِمْ بِاللَّـهِ الْقَوِیِّ الشَّدِیدِ إِلَهِ بَنِی‌إِسْرَائِیلَ مُفَضِّلِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) الطَّیِّبِینَ عَلَی الْبَرَایَا أَجْمَعِینَ مَا قَتَلْنَاهُ وَ لَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا فَإِنْ حَلَفُوا بِذَلِکَ غَرِمُوا دِیَةَ الْمَقْتُولِ وَ إِنْ نَکَلُوا نَصُّوا عَلَی الْقَاتِلِ أَوْ أَقَرَّ الْقَاتِلُ فَیُقَادُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ یَفْعَلُوا حُبِسُوا فِی مَجْلِسٍ ضَنْکٍ إِلَی أَنْ یَحْلِفُوا أَوْ یُقِرُّوا أَوْ یَشْهَدُوا عَلَی الْقَاتِلِ فَقَالُوا: یَا نَبِیَّ اللَّـهِ! أَ مَا وَقَتْ أَیْمَانُنَا أَمْوَالَنَا وَ لَا أَمْوَالُنَا أَیْمَانَنَا قَالَ لَا هَکَذَا حَکَمَ اللَّـهُ ... یَأْمُرَکُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَتَضْرِبُوا بِبَعْضِهَا الْمَقْتُولَ فَیَحْیَا فَتُسْلِمُونَ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ ذَلِکَ وَ إِلَّا فَکُفُّوا عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَ الْتَزِمُوا ظَاهِرَ حُکْمِی فَذَلِکَ مَا حَکَی اللَّـهُ عَزَّوَجَلَّ وَ إِذْ قالَ مُوسی لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ یَأْمُرُکُمْ أَیْ سَیَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةًً إِنْ أَرَدْتُمُ الْوُقُوفَ عَلَی الْقَاتِلِ وَ تَضْرِبُوا الْمَقْتُولَ بِبَعْضِهَا لِیَحْیَا وَ یُخْبِرَ بِالْقَاتِلِ.

م: بحارالأنوار، ج١٣، ص٢٦٦.

 

✍️زاهر حسين العبد الله .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة الشيخ علي الجزيري في دائرة الضوء

🔲 حوارية (١٣٢) هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل مرجع التقليد؟

🔲الشيخ جواد الدندن( شمعة العلم والتقى)