تساؤلات حول – محاضرة الشباب الجامعي في صناعة الوعي
تساؤلات حول – محاضرة الشباب الجامعي في صناعة الوعي
السؤال الأول
كيف يمكن للطالب الجامعي أن يوفّق بين طلب العلم الأكاديمي من جهة، وأداء مسؤوليته الثقافية تجاه مجتمعه من جهة أخرى؟
يمكن للطالب الجامعي أن يوفّق بين طلب العلم الأكاديمي وخدمة مجتمعه إذا جعل العلم طريقًا للوعي والعمل، لا غاية في ذاته.
فأهل البيت (عليهم السلام) كانوا يقولون: «العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا»(١)، أي إن العلم لا يثمر إلا إذا اقترن بالفعل.
الجواب :
المطلوب من الطالب أن يجتهد في تحصيل المعرفة الأكاديمية بإتقان، لكنه في الوقت نفسه يجعل ما يتعلمه وسيلة لنهضة مجتمعه: يكتب، يحاور، يشارك، ويُضيء العقول. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كونوا لنا دعاةً صامتين»، قالوا: وكيف ندعو وأنتم صامتون؟
قال: « تعملون بما أمرناكم به من طاعة الله وتنتهون عما نهيناكم عنه ومعاصيه، فإذا رأى الناس ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا إليه.».(٢)
فالطالب الجامعي يُترجم توازنه بأن يكون متفوقًا في دراسته، وفي الوقت نفسه قدوة في الأخلاق، مشاركًا في نشر الوعي، ليكون صورة حيّة لرسالة العلم والإيمان.
السؤال الثاني
ما هي المبادرات العملية التي تنصحون بها الشباب ليصبحوا أكثر حضورًا وتأثيرًا في مجال الوعي والثقافة داخل الجامعات وخارجها؟
الجواب
المبادرات العملية التي تجعل الشاب حاضرًا ومؤثرًا تبدأ من ذاته قبل غيره؛ فكل بناء خارجي يحتاج إلى أساس داخلي.
1. تزكية النفس: أوصى الإمام علي (عليه السلام): «من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ. »(٣). فالشاب الذي يُهذّب نفسه يكون صوته أبلغ وأكثر وقعاً في نفس المتلقي .
2. خدمة المجتمع بالعلم: قال الإمام الصادق (عليه السلام): «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس ..».(٤) أي أن فهم الواقع شرط للتأثير، فعلى الشاب أن يوظف تخصصه الأكاديمي لفائدة الناس في كل ميدان في الحياة و لا يحصره في قاعات الدرسة.
3. إحياء الحوار الهادف: روي عن الصادق (عليه السلام): « لفضيل -: تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل! من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر ».(٥) والإحياء هنا ليس بالشعار فقط، بل بالمحاورة الواعية التي تزرع الفكرة وتفتح أفقًا جديدًا للمتحاورين من العلم والمعرفة فيزدادوا معرفة وعلم .
4. المبادرة بالقدوة: أوصى الإمام الصادق (عليه السلام): « عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق(ع) وعنده نفر من الشيعة فسمعته وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول ».(٦) فالقدوة الصامتة أبلغ تأثيرًا من آلاف الخطب.
فالطريق العملي للشاب الجامعي هو أن يجمع بين العمق في ذاته، والوعي في علمه، والحكمة في خطابه، والقدوة في سلوكه؛ حينها يصبح حضوره بذاته مشروعًا ثقافيًا حيًّا داخل الجامعة وخارجها.
السؤال الثالث
كيف يمكن الاستفادة من نصائح السيد السيستاني حفظه الله لغير طلبة العلوم الدينية؟
وماهي الكتب التي تنصحون بقراءتها في طور بناء الشخصية والحصيلة العلمية؟
الجواب
الاستفادة من نصائح السيد السيستاني (دام ظلّه) لا تختص بطلبة الحوزة، بل هي موجهة لكل مؤمن ومؤمنة يريد أن يبني نفسه ويخدم أمته؛ لأنه دائمًا يؤكد على أمرين: تقوى الله، وخدمة الناس. وهذان أصلان أكّد عليهما أهل البيت (عليهم السلام).
فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): « الروح عماد الدين، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم »(٦)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم»، أي بالعمل والقدوة. وهذا ما يدعو إليه السيد السيستاني: التديّن المسؤول، والوعي الاجتماعي.
أما في بناء الشخصية والحصيلة العلمية، فالمطلوب الجمع بين زاد الروح وزاد العقل:
1. زاد الروح: القرآن الكريم، ونهج البلاغة، والصحيفة السجادية. فهي تربي الضمير وتفتح أفق البصيرة.
2. زاد العقل والمعرفة: كتب الفكر الإسلامي المبسّط كـ الشيعة في الإسلام للعلامة الطباطبائي، وفلسفتنا للشهيد الصدر، لما فيهما من تأسيس متين للوعي.
3. زاد السلوك العملي: وصايا الأئمة عليهم السلام في مكارم الأخلاق، مثل كتاب تحف العقول وميزان الحكمة، كمياء المحبة ، سيرة العلماء .
فالطالب الجامعي أو أي شاب مثقف إذا جمع بين هذه الأصول الثلاثة، ووازن بينها، صار أقرب لتحقيق ما يوصي به السيد السيستاني: إنسان تقيّ، واعٍ، نافع لمجتمعه.
السؤال الرابع :
كيف يمكن لنا ان نستفيد من القرآن ككتاب علم ومعرفة، حيث اننا نقرأ القرآن ككتاب مقدس للآجر والثواب .
الجواب
القرآن ليس كتاب ثواب فحسب، بل هو كتاب بناء للعقل والروح.
أهل البيت (عليهم السلام) أكدوا أن التعامل مع القرآن ينبغي أن يكون تعامل الباحث عن الهداية. قال الإمام علي (عليه السلام): « وتعلموا القرآن فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع (أحسن) القصص فان العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم وهو عند الله ألوم. »(٧). أي أن القرآن يغذّي الفكر والوجدان معًا.
الثواب حاصل بمجرد التلاوة، لكن المقصد الأعمق أن يكون القرآن مصدر معرفة يفتح البصيرة، كما قال الإمام الباقر(عليه السلام): « إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلى الله عليه وآله وجعل لكل شئ حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا. »(٨). فكل طالب وعي إذا تدبّر في آياته وجد فيه أصول العلم، ومناهج التفكير، وقوانين الحياة.
إذن، الاستفادة الحقيقية أن نقرأ القرآن بعينين: عينٍ للثواب، وعينٍ للهداية والمعرفة. فحينها يصبح القرآن مدرسةً يومية لبناء روح وعقل وفكر الإنسان لا كتابًا يعلَّق على الرفوف.
السؤال الخامس
كيف يقوي الانسان جانبه الاخلاقي ويجعل من نفسه قدوة للناس بغير الاعمال الثقافية حيث ان البعض لا يتعامل بذلك.
الجواب
تقوية الجانب الأخلاقي لا تحتاج إلى منبر أو عمل ثقافي علني، بل تبدأ من الصدق مع النفس.
أهل البيت (عليهم السلام) أوضحوا أن القدوة تُصنع في الخفاء قبل العلن. قال الإمام علي (عليه السلام): «أفضل العبادة العفاف»(٩)، أي ضبط النفس عن الانحراف. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «كونوا لنا زينًا ولا تكونوا شينًا». فالزين هو السلوك اليومي الصادق: الأمانة، حسن الخلق، كفّ الأذى.
فمن أراد أن يكون قدوة، فليجعل نفسه ميزانًا: هل هو صادق في كلامه؟ أمين في معاملاته؟ رحيم في أسرته؟ هذه الأعمال الصغيرة هي التي تبني أثرًا أكبر من الخطب والموعظة الصادرة منك . وقد ورد: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)قال : « أحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده، وأقومهم بحقه، الذين يحبب إليهم المعروف وفعاله »(١٠)، وذلك لا يكون إلا بحسن الخلق.
إذن، القدوة ليست بالثقافة المكتوبة فقط، بل بالخلق العملي الذي يراه الناس في تفاصيل الحياة اليومية.
السؤال السادس
ماهي الأولوية لطالب الجامعة كي يكون مبلغ متحمل المسؤولية؟
الجواب
أولوية طالب الجامعة ليكون مبلغًا متحملًا للمسؤولية هي بناء نفسه أولًا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
📌 قال أمير المؤمنين (عليه السلام): « من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم. »(١١). فالمسؤولية التبليغية تبدأ من تزكية القلب وضبط السلوك.
ثم تأتي المعرفة الراسخة، فقد أوصى الإمام الصادق (عليه السلام): «كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم». أي أن العلم المقرون بالعمل أبلغ من الكلام وحده.
فالأولوية:
1. تقوى الله أساس الرسالة.
2. الجدية في طلب العلم ليكون مؤثرًا.
3. القدوة العملية لتجسيد ما يبلّغه.
بهذه المراتب يصبح طالب الجامعة مبلغًا واعيًا، ورسالة حيّة تسبق كلماته. فيكون صانع الوعي الثقافي في مجتمعة.
✍️ زاهر حسين العبد الله
المصادر :
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٩.
(2) شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٦.
(3) جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ١٣ - الصفحة ٢٦٩.
(4) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٧.
(5) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٣٩٩.
(6) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ٩٤٦.
(7) وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي - ج ٤ - الصفحة ٨٢٥.
(8) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٥٩.
(9) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٠١.
(10) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٥٠٦.
(11) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ١٥١.
تعليقات
إرسال تعليق