حوارية ( ١٥٥) بناتنا والانفتاح الموهوم
حوارية ( ١٥٥) بناتنا والانفتاح الموهوم
السائل :
شيخنا ابو سجاد في زمنٍ باتت فيه القيم تُسمّى قيودًا، والحياء يُقدَّم على أنه تخلّف، نرى بعض بناتنا ـ هداهم الله ـ يواكبن ما يسمّونه الانفتاح والتطور في المظهر، بينما هو في حقيقته تفكّك عن أصل العفّة والوقار.
تقول إحداهن:
(فلانة كشفت مقدمة شعرها، وأنا بسوي مثلها!)
«تلك لابسة عباءة على الكتف، خلاص ما يحتاج على الرأس!»
«هذي عباءتها ملونة وأنا أبغى أكون مثلها) ! وفلانه تقول حين الخروج للتسوق هذا مكياج خفيف ما يضر .
وهكذا تبدأ مسافة الانزلاق بخطوةٍ صغيرة نحو التقليد الأعمى، حتى يُنسى معنى الحياء الذي هو جذرُ الأنوثة وروحها. فما هو التوجيه المناسب الذي ممكن يكون رسالة من القلب إلى بناتنا لفهم الحجاب والعفة بشكل صحيح؟
الجواب بسمه تعالى
أشكرك على غيرتك على عفّة وحياء المرأة التي تمثّل أمهاتنا وخواتنا وزوجاتنا ـ رحمنا الله وإياكم ـ كما أنها مسؤولية تقع على الواعين بمنزلقات المرحلة.
وهنا سأقف على جملة من المفردات، لأن المشكلة اليوم فهمٌ مغلوط لمفهوم الحرية الإنفتاح والحياء والعفة يحتاج إلى تصحيح.
🌿 أولًا: الحياء زينة الإيمان
معنى الحياء :
الحياء خُلق كريم يحمل الإنسان على اجتناب القبيح، وترك ما يُستقبح قولًا أو فعلًا. وكذلك
فالحياء هو رادع داخلي يغرس في النفس رقابة ذاتية أمام الله والناس، يمنعها من تجاوز حدود الأدب والشرع.
والحياء من الله سبحانه : هو أسمى مراتب الحياء، لأنه ينبع من معرفة العبد بعظمة الله واطّلاعه عليه.
ونتعلم بيان من سيد الكائنات النبي الأعظم وأهل بيته عليهم السلام وعترته الطاهرة عن الحياء بعدة شواهد منها
رسول الله (صلى الله عليه وآله): استحيوا من الله حق الحياء، فقيل: يا رسول الله ومن يستحيي من الله حق الحياء؟ فقال: من استحيى من الله حق الحياء فليكتب أجله بين عينيه، وليزهد في الدنيا وزينتها، ويحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، ولا ينسى المقابر والبلى (١)
رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن لكل دين خلقا، وإن خلق الإسلام الحياء). وعنه (صلى الله عليه وآله):( الحياء هو الدين كله)
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام)
(الحياء يصد عن الفعل القبيح )
وقال (ع) (أصل المروءة الحياء، وثمرتها العفة) وقال (ع)
(فالحياء ليس ضعفًا، بل هو سياج الكرامة، يحفظ قلب الفتاة قبل جسدها، ويجعلها محل احترامٍ لا افتتان) (٢)
عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحياء من الايمان، والايمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار. (٣)
أي أن من يستحيي من الله حقًا:
يحفظ بصره ولسانه عن الحرام،
ويحفظ بطنه وفرجه من الشبهات،
ويستحضر مراقبة الله في كل تصرف.
فالحياء من الله لا يعني الخوف السلبي، بل هو وعي روحي حيّ يدفع المؤمن للسمو الأخلاقي والالتزام.
معنى التبرج التبرج في اللغة: الظهور والبروز. وفي الاصطلاح: هو إظهار الزينة أو المفاتن أمام الأجانب بطريقة تُثير النظر وتخالف وقار المرأة. قال تعالى:
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} 📖 الأحزاب: 33.
فالتبرج ليس فقط في الملبس، بل يشمل كل مظهر يلفت الأنظار ويُخرج المرأة عن سمت الحياء والوقار، في اللباس أو الحركات أو طريقة الكلام أو نشر الصور.
معالجة التبرج اليوم معالجة التبرج في عصر الانفتاح ليست بالعنف أو القسوة، بل عبر ثلاثة مسارات متوازية:
١-إحياء الحياء الداخلي
٢- بزرع الإيمان برقابة الله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ}. وبإظهار القدوة الحسنة في السلوك والعفاف.
٣ـ التثقيف الواعي
بتوضيح أن الحياء لا يعني التخلف، بل هو زينة الإيمان وعماد الشخصية.
وأن التبرج لا يمنح قيمة حقيقية، بل يُسقط الاحترام.
إحياء الجمال الحقيقي
بتربية الذوق الجمالي النقي، وتعليم البنات أن الجمال في الخلق والعلم والنقاء لا في المظهر الزائل.
الحياء من الله يجعل الإنسان جميلًا في عين الله قبل الناس، والتبرج يسلب الجمال الحقيقي وإن أظهر الزينة. فمن استحيا من الله في خلوته، ألبسه الله نورًا في علانيته.
🌸 ثانيًا: الحجاب هو عنوان العفّة
قال الله تعالى:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}
(النور: 31)
هذه الآية الكريمة لا تدعو إلى مجرد ستر الجسد، بل إلى صيانة الروح من أن تُصبح سلعة للنظر، وتحفظ للمرأة هيبتها وجمالها الربّاني.
وقال تعالى أيضًا:
{ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}
(الأحزاب: 59) أي إن الحجاب هو شعار الاحترام والهوية، لا عبء ثقيل كما يصوره البعض.
ولذا لا مبرر لكلمات براقة وخادعة مثل هذا مكياج خفيف أو تغير الزمان لا يضر اللباس المهم حجاب الأخلاق وغيرها فالآيات دالة صريحة على حرمة التزيّن ولبس كل ما يلفت نظر الأجنبي وما يعد فتنة وفتاوي الفقهاء صريحة في ذلك
نأخذ مثال المرجع الأعلى اية الله السيد علي السيستاني حفظه الله يقول
سؤال: هل يجوز للمرأة لبس البنطلون والقميص الذي يصل حد الركبة او قبلها ببعض سم او بشبر؟ ما هو اللباس الذي يجب ان يتخذ في اوربا (علماً اننا يمكن نقع في حرج او انتقاد من قبل المجتمع) ؟
الجواب: يجب على المرأة ستر جميع جسمها ماعدا الوجه والكفين بشرط ان لا يكون اللباس زينة من حيث اللون والتفصيل وان لا يكون ضيقا يبرز مفاتن جسمها.
م: الموقع الرسمي للسيد حفظه الله
💫 ثالثًا: الانفتاح لا يعني الانفلات
الانفتاح الحقيقي هو انفتاح العقل على العلم، والقلب على القيم، والسلوك على الرحمة، لا أن تُختزل الحرية في لون العباءة أو شكل الشعر.
قال الإمام الصادق (عليه السلام)
عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود التي لا تورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر لا تسمع قوله ولا تطيع أمره وإذا خلابها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا. (٤)
المتأمل في هذه الرواية يجد أنها تحمل تعاليم وتوجيهات مهمّة جدًا تضع ضابطة لعفاف المرأة وحيائها، ولذا فالخطر الكبير في الفهم عند بعض نسائنا أن يُستبدل التطور بالعري، والرقيّ بالغرور، والجمال الحقيقي بالزائف المصطنع.
🌺 كلمة من القلب لبنات اليوم
يا ابنتي الكريمة،
كوني كما أرادك الله: جوهرة مصونة لا سلعة معروضة،
فما نُهيتِ عن التبرّج إلا لتُحفظي، وما أُمرتِ بالحجاب إلا لتُكرّمي.
قالت السيدة الزهراء (عليها السلام) لأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله حينما سألها وهو العليم
أي شئ خير للمرأة؟ قالت: أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل. فضمها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض.(٤)
وهذا الحديث يشير إلى اعلى درجات الحياء والعفة هي كلمة جامعة لمعنى الستر والعفاف، لا بمعنى الانعزال، بل بمعنى السموّ والهيبة التي تحفظ للمرأة كرامتها في كلّ زمان.
وهذا الحديث يظهر الكمال في الحياء ولا تتعارض مع من تحفظ حيائها في ضروف الحياة ومتطلباتها من الاختلاط المشروع مثل قضاء حوائجهن أو اعمالهن وغيرها من مناحي الحياة وكل ما تستطيع المرأة ان تحافظ على حجابها وحيائها بشكل اكمل كان افضل
ولا ننسى ان نخاف الله سبحانه حيث حذرنا للنساء المتهاونات في الحجاب والعفة في الاسراء والمعراج مثل
الزهراء عليها السلام تسأل عن نساء يعذبن يوم القيامة وتسأل عن سبب ذلك من ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها
قالت فاطمة عليها السلام: حبيبي وقرة عيني أخبرني ما كان عملهن وسيرتهن حتى وضع الله عليهن هذا العذاب؟ فقال: يا بنتي أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال،... وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس،... وأما التي تقرض لحمها بالمقاريض فإنها تعرض نفسها على الرجال،..(٥)
🔖 خلاصة لفهم مصطلحات العفة والحياء
• الحياء أصل العفّة.
• العفّة جوهر الإيمان.
• الحجاب صونٌ لا سجن.
• الانفتاح الحقيقي في الفكر لا في السفور.
فلنربِّ بناتنا على أن العباءة على الرأس رفعة، لا تقليدًا قديمًا، وأن ستر الزينة هو أبهى زينة، وأن من تمسّكت بحيائها فقد سبقت زمنها لا تأخرت عنه. والحمد لله رب العالمين
✍️ زاهر حسين العبدالله
المصادر :
(1). ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٧١٩
(٢) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٧١٧.
(٣) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ٣٦.
(٤) الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٣٢٥.
(٥) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ٨٤.
صلاح البجحان
ردحذفأحسنت يا أبا سجاد ولكن فاتك شئ ـ في نظري ـ إن النساء تغلب عليهن العاطفة وهذه فطرة فطرن عليها وقد اثبت الواقع ذلك تلك العاطفة تدفعها إلى التقليد وحب البروز والتجمل وهذه تلاحظه يا أبا سجاد ويلاحظه اي شخص تكون لديه طفلة كيف تستخدم أدوات التجميل لوالدتها أو من يكبرنها من أخواتها. اذن حب الظهور بأجمل مظهر هذا تدفعها إليه العاطفة. بل وحتى نحن كاباء وامهات نحب أن تبدو بناتنا جميلات ولكن المشكلة أين ومتى؟ هل يكون ذلك في الأماكن العامة ام في أماكن مخصصة؟
بالتأكيد لا يكون ذلك في الأماكن العامة.
هنا دور الآباء والأمهات وهو الأجدر أن توجه كلامك يا أبا سجاد لهما فلولا تساهلهما في ذلك لما تجرات الفتاة أن تتساهل في حجابها وان تظهر بزينتها. اليس فعلها ذلك بمرا من امها وابيها. ابحث لتجد يا أبا سجاد أن التساهل في الحجاب بدا من داخل المنزل قبل أن يصل إلى الخارج. فإن من تتساهل في الحجاب في الأماكن العامة تجدها ترتدي الملابس الضيقة والقصيرة جدا داخل المنزل وأمام اخوتها و محارمها دون أن ينكر عليها ذلك.
باختصار يا أبا سجاد أن الغيرة لدينا وصلت لادنى مستوى والله يعلم ما سنصلة اليه.
عتبك على الاب والزوج والأخ قبل أن تعتب على الفتاة فملكم راع وكلكم مسؤول......