📖 حوارية (١٥٧) لماذا السيدة فاطمة الزهراء (ع) محطّ رضا الله وغضبه؟


 

📖 حوارية (١٥٧) لماذا السيدة فاطمة الزهراء (ع) محطّ رضا الله وغضبه؟


👆 السائل: هذا الكلام الذي يُروى له شاهد من لسان النبيّ الأعظم محمد ﷺ عند الفريقين، حيث يقول (ص):

 «إنّ الله ليرضى لرضا فاطمة ويغضبُ لغضبها».

 أليس في هذا مبالغة؟ كيف تُربَط إرادة الله برضا مخلوق؟ أريد جوابًا يُسكت العقل قبل العاطفة.


✋ الجواب – بسمه تعالى: 

جميل أنك سألت بهذا العمق؛ لأن هذا الحديث ليس جملة عاطفية عن بنت نبي، بل هو قاعدة إلهية يتحدّث عن إنسانٍ كامل جعله الله ميزانًا لولايته، ومحطّ أمره ونهيه ورضاه وسخطه.

فلنرتّب الحجة عقلًا ونقلًا:

أولًا: هل يمكن أن يعلّق الله رضاه على رضا بشرٍ يخطئ؟

 

العقل يقول: لا. لأن الله الحكيم لا يربط رضاه المطلق بشيءٍ متغيّرٍ ناقص.

 إذًا إذا ثبت بالنقل الصحيح أن الله يرضى لرضا الصدّيقة فاطمة (ع)، فالعقل يحكم فورًا: هذه ليست بشرًا عاديًا، بل هي معصومةٌ لا ترضى إلا بما يرضاه الله، ولا تغضب إلا لما يغضب الله. فالتعليق دليلُ العصمة، لا دليلُ المبالغة.


ثانيًا: ما هو أصل هذا الدليل؟


 القرآن الكريم قرّر أصلًا عظيمًا بقوله تعالى:﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ النساء: 80، فجعل طاعة النبيّ الأعظم محمد (ص) مرآةً لطاعة الله سبحانه. لماذا؟ لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم: 3-4.

 فإذا جاء النبيّ الأعظم محمد (ص) وقال: «فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها»، وروي عنه أيضًا – كما في حديث حذيفة – أنه قال: «أتاني ملكٌ فبشّرني أن فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة» (1)، 

فهذا يعني أن فاطمة امتدادٌ صادقٌ للنبيّ الأعظم (ص)، كما أنّ الرسول (ص) امتدادٌ صادق للوحي.

 فليس الرابط “الصديقة فاطمة (ع) وحدها”، بل هو: الله سبحانه عن طريق الوحي إلى النبي الأعظم محمد (ص) وصولاً إلى الصديقة فاطمة (ع)

 بوصفها ثمرة قلبه وروحه التي بين جنبيه.


ثالثًا: نصّ النبيّ الأعظم (ص) حاسم

وهو الحديث المتواتر عند المسلمين: «فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني». وهذا وحده كافٍ. لأن إغضاب النبي حرام وموجب لسخط الله ولعنته، بنصّ القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ الأحزاب: 57.

 فإذا كان إغضاب الصدّيقة فاطمة (ع) = إغضاب النبيّ الأعظم محمد (ص)، صار إغضابها موجبًا لسخط الله. فهذا نقلٌ محقّق، وليس رواية هامشية.

رابعًا: لماذا الصدّيقة فاطمة (ع) بالذات؟

 

لأنها محلّ الاصطفاء المركّز الذي نزلت فيه آية التطهير، حيث نزلت في الخمسة أصحاب الكساء: النبيّ الأعظم (ص)، علي، فاطمة، الحسن، الحسين (عليهم السلام). فالصدّيقة فاطمة (ع) ليست “إضافة عائلية”، بل ركنٌ في أهل البيت المطهّرين: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ الأحزاب: 33.

فإذا كان الرجس مرفوعًا عنها بإرادةٍ إلهية، صار رضاها خاليًا من الهوى، وغضبها خاليًا من العصبية، فلا يبقى إلا أنهما لوجه الله تعالى، فتكون مظهرًا لجلال الله وجماله، ومحطّ عنايته وإعظامه.


خامسًا: حجة العقل والنقل معًا

بالنقل: النبيّ الأعظم محمد ﷺ أخبر أن رضاها رضا الله.

بالعقل: لا يعلّق الله رضاه على من يُحتمل أن يرضى بالباطل.

 إذًا النتيجة العقلية: الصدّيقة فاطمة (ع) لا ترضى إلا بالحق، ولا تغضب إلا للحق، فصار رضاها “علامة الحق”، وغضبها “جرس الإنذار” الموجب لغضب الحقّ سبحانه.


سادسًا: موقفها بعد النبيّ الأعظم (ص) شاهد

 

التاريخ يروي أن الصدّيقة فاطمة (ع) ماتت وهي واجدةٌ – أي غاضبة – على أقوام. وهذا ليس خلافًا عائليًا، بل هو بيانٌ نبويٌّ عملي: من كانت فاطمة غاضبةً عليه، فقد دخل في دائرة الغضب الإلهي؛ لأن الغضب هنا ليس غضب المزاج، بل غضب الولاية على الحقّ المغصوب.


سابعًا: فاطمة مرآةُ الولاية


 والولاية في الإسلام ليست سلطةً، بل هي امتدادٌ للنبوة يُكمل المشروع الإلهي. والوليّ الحقّ هو من كان قلبه وقوله وفعله مطابقًا لما جاء به النبيّ الأعظم (ص). والصدّيقة فاطمة الزهراء (ع) هي أوضح مصداقٍ قلبًا وقالبًا ومنطقًا لأبيها المصطفى (ص): فهي التي «من آذاها فقد آذى رسول الله»، وهي التي يُسرّه سرورها، وهي التي جعلها النبيّ (ص) أمّ أبيها في الحنان، كما ورد:

عن الإمام الباقر (ع): «كانت كنية فاطمة (عليها السلام) أمَّ أبيها» (2).

 وهي أيضًا أمّ الأئمّة في الامتداد.

 فإذا أردت أن تعرف: هل هذا الفعل يرضي الله؟ فانظر: هل كانت فاطمة ترضى به؟ فإن لم تكن ترضى، فاعلم أن وراءه ظلمًا أو انحرافًا.


ثامنًا: لماذا هذا الدليل حجته واضحة؟

 

لأنك حين تقول: «الله يرضى لرضاها»، فأنت في الحقيقة تقول: هذه المرأة بلغت من الطهارة أن صارت إرادتها مرآةً لإرادة السماء. وهذا أعلى تكريمٍ لإنسانٍ بعد النبيّ الأعظم محمد ﷺ، وهو ينسجم مع مقامها كأمٍّ لأحد عشر إمامًا، وكحلقة وصلٍ بين النبوة والإمامة.


🌿 الخلاصة:

النقل المحقّق: «فاطمة بضعة مني…»، «يرضى الله لرضاها….»

العقل: تعليق رضا الله على رضاها يستلزم العصمة، وإلا لزم النقص في الحكمة الإلهية.

التاريخ: مواقفها بعد النبي كانت مواقف للحق، لا للذات.

فاجتمعت الأدلة على أن الصديقة فاطمة (ع) ليست مجرّد “ابنة نبي”، بل ميزانُ رضا الله وغضبه.

 فمن أراد أن يقف مع الله سبحانه، فليقف حيث وقفت الصدّيقة فاطمة (ع). ومن أغضب الصدّيقة فاطمة (ع) فقد كشف موقعه من الله سبحانه.

اللهم اجعلنا ممّن رضيتَ عنهم في الدنيا والآخرة بحقّ محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين.


✍️ زاهر حسين العبدالله

المصادر:

(1)مجمع البيان – الطبرسي – ج٢، ص١١.

(2)إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ج10، هامش ص16.

تعليقات

  1. حسين الحاجي
    ان من أعظم ما اصيب فيه الدين هو الاعتداء على ابنته و روحه التي بين جنبيه و حبيبته التي كانت اما له

    هذا الاعتداء جاء وبعد لما ينشف تراب ضريحه المقدس

    هذا شكل انعطافا خطيرا في سير الأمة الإسلامية واساسا لكل انتهاك لحرمات الله ورسوله منذ ذاك اليوم والى يومنا هذا


    انا لله وانا اليه راجعون و حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

    أعظم الله اجورنا و اجوركم في مصابنا الجلل باستشهاد سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة بنت محمد صل الله عليها و على ابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها وعلى امها السيدة خديجة وعميها الحمزة وابي طالب

    رزقنا الله و إياكم في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها

    واللهِ فاز من نال شفاعة فاطمة بنت محمد 🥹

    ردحذف
  2. ناصر حسيني
    قبل قليل سألني معجب بالحيدري
    ما حدود العصمة

    لان الحيدري مثل احمد الكاتب يعتقدان أن عقيدة العصمة قد جاء بها الشيخ المفيد ..
    وجاءشرحكم فی زمانه تماما
    .🌹🌹🌹👍🌹🌹🌹

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

🔲 حوارية (١٣٢) هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل مرجع التقليد؟

🔲الشيخ جواد الدندن( شمعة العلم والتقى)

أبرز دلالات تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام يوم غدير خم