حوارية:(159) «هل انتهت النبوّة… أم انقطعنا نحن عنها؟»
📝 حوارية:(159) «هل انتهت النبوّة… أم انقطعنا نحن عنها؟»
الشاب:
أستاذ… نسمع كثيرًا عن النبوّة، لكن أشعر أحيانًا أنها قصة تاريخية انتهت بوفاة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ﷺ، فلماذا نعود إليها الآن؟
المعلّم: بسمه تعالى
سؤالك صادق… لكنه أخطر مما تظن.
دعني أسألك:
هل كان النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله مجرّد رجلٍ صالح بُعث في زمنٍ مظلم يسوده الجهل وعبادة الأوثان وغيرها من المأثم، أم كان مشروع إلهي لهداية للأمة؟
الشاب:
طبعًا كان مشروع إلهي لهداية للأمة.
المعلّم:
إذن اسمع كيف عرّفت الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) النبوّة، ليس بلسان التاريخ بل بلسان السماء والوحي حيث قالت في ذكره أبيها المختار (ص):
«أشهد أن أبي محمدا (ص) عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتبله [اجتباه]، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة ..... ». بحار الأنوار - جزء 29 - ص [224 ].
هل تفهم ما تعني هذه الكلمات النورانية من الصدقة الطاهرة فاطمة (ع)؟
الشاب (متأملًا):
أفهم من كلامها روحي فدها أن النبوّة لم تكن وليدة ظروف المجتمع بل شيء أكبر من ذلك بكثير؟
المعلّم:
أحسنت الفهم يا بني
كانت قرارًا إلهيًا سابقًا للبعثة، سابقًا للناس، سابقًا للحداثة والتخلّف. بل سابقاً للوجود كله فهم أصل الوجود وواسطة الفيض الإلهي بهم فتح الله عالم الإمكان وبهم يختم. ولهذا لا تنتهي النبوّة بانتهاء الجسد الشريف ورحيله عن هذه الدنيا … بل تبقى روحه المقدسة بمنهجها وتعاليمهما وخطها الرسالي في وعي الأمة لكن تحتاج لحامل أمين يعي هذه المسؤولية الكبرى ويكون صنيعة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الشاب:
لكن ما هي وظيفة النبوّة عمليًا؟ أليس التبليغ فقط؟
المعلّم:
لو كانت كذلك، لاكتفى الله سبحانه وتعالى بالكتب السماوي السماوية السابقة ولكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير. لكن اسمع بيان الزهراء (ع):
« ابتعثه الله تعالى إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم..».
النبي ﷺ لم يكن مجرد ناقل أو مبلغ محايدًا كما توهمت، بل جاء: ينفّذ أمر الله سبحانه ويقيم حكمه على خلقه، ويقود التغيير إلى الأفضل والصلاح ولبناء حضارة حقيقية تكون متجذرة في وعي الأمة. فالدين ليس وعظًا وخطباً وأحكاماً وتوجيهاً منفصلًا عن الحياة العامة التي يعيشها الناس. بل هو مشروع متكامل يهدف لبناء النفس البشرية ويعيد توازنها والهدف من خلقها ويوفض فطرتها التي جُبلت عليها
الشاب:
وهل كان الناس حقًّا بحاجة لكل هذا المشروع الكامل آنا ذك؟
المعلّم:
نعم يا بني فقد جاء على لسان الصديقة الزهراء (ع) روحي فداها لتبين ذلك ولم تترك الأمر لتخيلاتنا، بل تصف الواقع كما هو الذي كانوا يعشوه:
«وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين، تَخافُونَ أَنْ يختطفكم النَّاسُ من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي ».
أي كانت إنسانية مسحوقة يسودها: الجهل + الذل + الضياع والتيه
فجاءت أنوار النبوّة لتحرير الإنسان من عبودية مقيته وفوضى عارمة في حياته قبل تنظيمه.
الشاب (بعد صمت):
إذا كانت النبوّة بهذا العمق… فهل يعقل أن تنتهي فجأة بعد وفاة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم دون أن يستمر هذا المشروع الإلهي المقدس؟
المعلّم:
هنا لبُّ وأصل وجوهر الخطبة الفدكية.
فالنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ﷺ رحل جسدًا… لكن هل انتهت الحاجة إلى الهداية في حياته؟
الشاب:
لا… بل ازدادت الحاجة إلى ذلك فبقده نحتاج لمن يكمل المسيرة بنفس النهج والعلم سمات النبوة التي سادت نفوسهم كي تكون حجة الله بالغة عليهم.
المعلّم:
ولهذا لم تترك الصدقة الزهراء (عليها السلام) الأمة بلا جواب شافي يرفع حجب الحيرة.
فهي لم تصرخ، لم تشتم، بل رسمت الخط المستقيم. خطّ الامتداد الطبيعي لمنهج النبوّة، وبينت معالم الشخصية التي ستقود الأمة بعد أبيها المختار لما يحمل من صفات خاصة هيئها النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله واختارتها السماء لتكون بحجم وعمق المشروع الإلهي فمن هو يأبني العزيز.
الشاب:
تعني الإمام علي (عليه السلام)؟
المعلّم:
نعم… لا لأنه زوج الصدقة فاطمة الزهراء عليها السلام أروحنا فداها، بل لأنه:
أول من سبق من المسلمين فآمن وصدق وأقر وشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاهد ونافح وقاتل وثبت فلم يفرّ في معركة قط.
وأول من نطق بلسان الفصاحة والبلاغة والحجة فأسكت الخصوم بقوة بيانه وجميل خطابه.
فحين قاتل لم تضعف عزيمته يوم ولم يتأخر يوم مجاهدا صادقاً محباً لله ورسوله صلى الله عليه وآله فلم يشرك بربه طرفة عين أبدا. ولم يحمل الراية طمعًا، بل ضرورةً لرفع راية التوحيد وتوطين لرسالة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالراية التي رُفعت بالوحي، لا يحملها إلا من تربى في حجر النبوة ورضع من ثدي الإيمان وصيغت روحه بالإيمان. وقد بينت الصدقة فاطمة هذه الخصال في خطبتها حينما قالت
[.. كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ)، أو نجم قرن للشيطان، وفغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، ومجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيد أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا..]
الشاب:
إذن الخلل لم يبدأ في النظام الذي اختاره الناس بعد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله فقط؟
المعلّم:
لا يأبني بل بدأ حين فُصلت النبوّة الإلهية عن امتدادها الطبيعي، وحين ظنّ الناس جهلاً أن الرسالة تنتهي بخاتمها. وهنا أرادت الزهراء (ع) أن توقظ ضمير الأمة وتذكرها بعهد الله سبحانه عليها وتشكر الله سبحانه أن من الله عليهم بهذا المشروع الإلهي وأن لا يضيعوه بعد رحيل أبيها صلى الله عليه وآله كي تسلمه لمن أختاره الله سبحانه يوم الغدير ليكون خليفة من بعده، لا أن تبكيها بدموع أحرقت قلب كل غيور لمن يعرف عظمة الصدقة فاطمة سلام الله عليها.
الشاب (بصوت أصدق):
استاذي أشعر أن المشكلة ليست في فهم السيرة النبوية…بل في فهم معنى الهداية نفسها.
المعلّم:
أحسنت وهذا هو بداية الوعي الحقيقي لفهم هذه الخطبة الفدكية المزلزلة فلم تُكتب لتُقرأ فقط،
بل لتُحيا في ضمير الأمة ما بقي الدهر وتكون شاهدة حية في كل عصر وزمان وتسأل نفسها ما هو الخلاص كي تعود الهداية لسابق عهدها في زمن النبوة.
حيث قالت الصدقة الطاهرة الزهراء عليها السلام أروحنا فدها في اخر خطبتها
[ ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم الذي تسوغتم ، فـ : ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور القنا ، وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر ، نقبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد ، موصولة ب : ( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) فبعين الله ما تفعلون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ). وأنا ابنة نذير (لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) فـ (اعْمَلُوا). (إِنَّا عامِلُونَ) (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ).
وأترك البيان لقلبك الصافي يتأمل في أخر هذه الكلمات لتقوم بتفكيك عبارتها وفهم معانيها
الخلاصة يا بني
النبوّة ليست ذكرى، والرسالة ليست تراثًا، والهداية لا تُعلّق على الجدران. إن فهم الشباب للنبوة كما أرادتها الصديقة الزهراء (ع) أروحنا فدها
هو خطوة أولى نحو شبابٍ يحمل الرسالة… لا يستهلكها. والحمد لله رب العلمين.
✍️زاهر حسين العبد الله

عبد الجليل الملا - البحرين
ردحذفانتهت بحيث إنه لايوجد نبى بعد رسول الله ص ربما هذا وجه الانتهاء فقط..
إما الانقطاع فنحن قد انقطعنا عنها منذ سنين طووووويله...
ولكن ماذا لو تغير السؤال قليلا...وكتبنا هل مازلنا على العهد؟هل مازلنا نتذكر إننا مسلمين بالافعال ام نحن مسلمين بالاسم فقط؟
وهل مازلنا متمسكين بما طلبه منا رسول الله ص ام غيرناه ام نحن تغيرنا عليه؟
ياسيدى الكريم بالاختصار نحن انقطعنا عنها...
لا افعالنا ولا اعمالنا ولاسلوكنا ولاصلاتنا ولا ولا ولا الخ الخ الخ إلا مانذر من المؤمنين لم ينقطعوا