وعي العقل: السوشيال ميديا… بين صناعة الوهم وتفتيت البيوت والشيطان… بين النفخ والتزيين
حوار (١٥٩) وعي العقل: السوشيال ميديا… بين صناعة الوهم وتفتيت البيوت
والشيطان… بين النفخ والتزيين
السائل:
أستاذي… ما رأيك فيما يحدث اليوم في وسائل التواصل مثل تيك توك وسناب شات وإنستغرام، من محتويات تُفسد فكر البنات، وتسمّم العلاقات الزوجية، وتُولّد كثرة المشاكل والغيرة، وقطيعة الرحم؟ هل تأثير هذه البرامج فعلي؟ أم مجرد مبالغة اجتماعية؟
الجواب – بسمه تعالى:
يا عزيزي… قبل أن نُسلّم بأن السوشيال ميديا قادرة على تفكيك بيتٍ، أو نزع حياء بنت، أو إشعال نار الخصومة بين الأزواج أو تفكيك العائلات … دعنا نعود إلى قول الله تعالى، وإلى ما علّمنا أهل البيت (ع)، فهم الميزان الذي يكشف الحقيقة من التوهم.
هل تقبل أن نستمع لكلام الله سبحانه وكلام النبي وأهل بيته (ع) قبل أن نُصغي إلى صخب المنصّات الكثيرة وضجيج "الترندات"؟
السائل:
نعم، وهذا ما أبحث عنه.
الجواب:
تعال نستمع إلى القرآن أولًا، فهو الذي يفضح أصل الفتنة. الله سبحانه وتعالى يقول كلمة قاطعة في أصل كل انحراف:
قال تعالى: ﴿.. ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢)﴾ الانعام. فخطوات الشيطان في منصات التواصل ابراز الأنا الأنانية وتلميعها للحصول على المدح والثناء فيصدق عليهم قوله تعالى ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ (النحل: 63)
فالشيطان هنا «يزين» المعصية والخطأ والجهل، ولا «يجبر» على اتباعه.
يوهم بالإنسان الرفعة بين المقارنات الخداعة، ولا يخلق قرارًا بأن يأمر الإنسان أفعل هذا واترك ذاك
ويُضخّم الحرية واللامبالاة في الإنسان، ولا يغيّر طبيعة الإنسان الحرة المبنية على الفطرة السليمة.
والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ (الحجر: 42)
يا عزيزي…
إذا كان الشيطان نفسه لا يملك سلطانًا على عبدٍ أو أمة يؤمن بالله سبحانه ويتقيه، فهل تملك منصةٌ رقمية — مهما عظُم ضجيجها — أن تهدم بيتًا محصّنًا بذكر الله سبحانه؟!
السائل:
لكننا نرى بأعيننا أن بعض البيوت تتغير وتتفكك… الزوجة تتقلب على زوجها… البنت تتبدل أفكارها… الأسرة تتوتر، وتبدأ المقارنات والسخط بسبب المؤثرات والمشاهير. كيف نفسر هذا؟
الجواب:
هنا نرجع لكلام النبي الأعظم (ص) وأهل بيته عليهم السلام. والتحذير من أن يصغي ويرى الرجل والمرأة والكبير والصغير من ألا يجعل بصره واذنه ساحة مفتوحة لكل أحد وإنما يجعل فلتر ينقي الشيء الجيد من الشيء الرديء
فقد ورد عن النبي الأعظم محمد (ص):
»مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلِقَلْبِهِ فِي صَدْرِهِ أُذُنَانِ: أُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْمَلَكُ، وَأُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْوَسْوَاس. «(١)
وقال الإمام الصادق (ع): » على إحداهما ملك مرشد، وعلى الأخرى شيطان مفتن، هذا يأمره وهذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها، وهو قول الله عز وجل * (عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. «(٢)
لاحظ:
الشيطان لا يصنع الفكر…بل «يزين» ما هو موجود أصلًا.
فإن كانت في النفس: ضعف – قابلية – غيرة – فراغ – اضطراب – حب ظهور… جاء الشيطان فأوقد نارها، والس وشيال ميديا أصبحت اليوم إحدى أدواته في «الزينة» لا في السلطان.
السائل:
لكن ماذا عن البنات اللواتي تغيّرت مفاهيمهن فعلاً؟ صرن يقلّدن المشاهير، يطلبن حياة غير واقعية، يزهدن في بيت أهلهن، أو ينشغلن عن الأسرة بالساعات في التيك توك؟!
الجواب:
اسمع كلام الإمام علي (ع) فهو كلام يشبه النور حين يدخل القلب:
»احْذَرُوا عَدُوًّا نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيًّا، وَنَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيًّا » .(٣) النفث اليوم ليس صوتًا…
إنه «فيديو قصير»«فلتر» «ستوري» «رقصة" مقارنة» «صناعة وهم»…يدخل خفيًا… في القلب قبل العين.لكنه هل يجبر؟ أبدًا.فهو يستغل القابلية فقط.تمامًا كما قال تعالى:
﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ (آل عمران: 175) فيلعب على المشاعر… لا على القدَر.يحرّك النفس… ولا يخلق قرارها.
السائل:
يعني أنت ترى أن السوشيال ميديا لا تهدم بيتًا من تلقاء نفسها؟
الجواب:
اسمع القاعدة الذهبية التي وضعها الإمام الصادق (ع): «الشَّيْطَانُ أَعْجَزُ مِنْ ذَلِكَ »(٤)
أعجز من ماذا؟ من أن يغيّر خلق الله…من أن يقلب قلبًا ثابتًا…من أن ينتزع حبًا متينًا…من أن يهدم بيتًا قائمًا على الثقة بالله.فلو كانت السوشيال ميديا قادرة على هدم الأسر قهرًا،لما بقي بيت واحد في زمنٍ يتعرض فيه كل إنسان لآلاف الرسائل في اليوم!
السائل:
إذن كيف نفسّر الانهيارات السريعة في بعض العلاقات الزوجية والاسرية؟
الجواب:
القرآن يجيبنا بوضوح:
﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ… وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ (النساء: 120)
الغرور = تضخيم الوهم.
والسوشيال ميديا اليوم هي أكبر مصنعٍ للوهم. فتجد البنت تقارن أمها بالمؤثرات، وتقارن زوجها بالصور المعدّلة، وتقارن حياتها بسيناريوهات تمثيلية، ثم تشعر بالظلم، بالنقص، بالاختناق…فتغضب…فتثور…فتتخذ قرارًا خاطئًا…والسبب ليس البرنامج، بل الفراغ الداخلي.
السائل:
يعني المشكلة ليست تقنية، بل نفسية وروحية؟
الجواب:
بالضبط.ولذلك دعنا نستمع إلى دعاء الإمام السجاد (ع) الذي يكشف سر الاضطراب:
« إلهي أشكو إليك عدوا يضلني، وشيطانا يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى، ويزين لي حب الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى …»(٥)
هل قال:
«أحاطت بي الفيديوهات»؟«أحاطت بي المذيعات»؟«أحاطت بي المنصات»؟ لا.بل قال: الوسواس…أي القابلية الداخلية لا الخارجية.
السائل:
إذن ما تفسير الغيرة المفاجئة، التوتر، النفور، الانعزال، الكراهية التي تشتعل بسبب السوشيال ميديا؟
الجواب:
الاستفزاز النفسي والرغبة في التعديل كما في قوله تعالى:﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ﴾ (الإسراء: 64)
"استفزز" = حرّك المشاعر، أزعج، شوّش. الشيطان يستغل القابلية…والسوشيال ميديا تضخّم المادة…والنتيجة: اضطراب نفسي… لا «سحر إلكتروني».
السائل:
يعني الحلّ ليس في إغلاق الهاتف فقط؟
الجواب:
لا… الحلّ أعمق. الحلّ في تقوية الأعماق من الداخل،
كما قال تعالى:﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ (الأعراف: 201) وذلك بما يالي :
التذكر…بصاحب النعمة الذي تفضل عليك وذكر الله سبحانه وتعالى…والعودة لله…
تعظيم دور الأسرة في حياة الفرد…وإعادة التوازن الروحي…مع ضبط الاستخدام. أما مطاردة الوهم…
ملاحقة ما يفعله الناس…بادعاء «فلانة حسدتني «… أو «فلانة سوت سبقتني للمكان الفلاني «…
« أو ملاحقة ما يفعله المشاهير الذين ساهموا في تدمير البيوت «…فهذا من تزيين الشيطان نفسه.
السائل:
إذن ما خلاصة العلاج؟
الجواب:
الخلاصة التي تصنع يقظة: متابعة البرامج المفيدة والنافعة من محاضرات أو منصات تعليمية وثقافية تبني ولا تهدم البيوت…حديث النفس بأن الشيطان لا يملك سلطانًا على أحد فهو اضعف من يؤثر على عقلي وإيماني واستقلالي … محاربة الوهم لأنه لا يصنع قدرًا…ووسائل التواصل لا تملك قلب إنسان فتغيره بالقوة . ونتذكر قول الله تعالى ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76). فالبيت الصالح الذي يحفظ: بالصلاة ويحيا بالحوار ويعزز الثقة ويبادل الاحترام للالتزام بوصايا القرآن الكريم في البر وكذلك أهل البيت عليهم السلام في حسن الصلة فإنه حتما سينجو… مهما كان ضجيج السوشيال ميديا.
أما البيت الذي يفرّط في القرب من الله…يصبح لقمةً سهلة لوسوسة الشيطان…وتضخيمات المؤثرين…ومقارنات المنصات. فالعلاج كما قال أهل البيت في إعادة الروح إلى الداخل والشرب من معينهم الصافي وتعاليمهم الخالدة، وليس في مطاردة أفعال الناس عبر منصات التواصل في الخارج.
والحمد لله رب العالمين.
✍️ زاهر حسين العبدالله
https://t.me/zaher000
المصادر:
(1) تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج ٥ - الصفحة ٧٢٥.
(2) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٠٥.
(3) ميزان الحكمة - محمد الري شهري - ج ٢ - الصفحة ١٤٥١.
(4) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٠ - الصفحة ٢١.
(5) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٤٥١.

تعليقات
إرسال تعليق