الجمعة، 24 ديسمبر 2021

خلاصة درس ١٦


 خلاصة درس ١٦ مقاربة ابن الجنيد في مسألة القياس

السيد الأستاذ : عبدالله هاشم العلي 

توقفنا في الدرس السابق على تبرير السيد السيستاني حفظه الله لابند الجنيد 

وخلاصة ماقاله فيه 

أن ابن الجنيد كان في صدد معالجة بعض القضايا بما يتوافق  مع روح القرآن الكريم 

ولنقف على المقصود من

💡 روح القرآن الكريم وهي: تلك العناوين أو المقاصد المسلمة كتأكيد القرآن الكريم على مفهوم العدالة والإحسان وحفظ النفوس وكرامة الإنسان واخلاقيات الإنسان ويستنكر الظلم والأعتداء على الغير وغيرها من الأمور الواضحة التي يستنبطها الإنسان ويراها كليات جاءت لصلاح الإنسان عموماَ

إذاً ابن الجنيد حينما يواجه نص يعرضه على القرآن الكريم بنحو الموافقه والمعارضة الروحية للقرآن الكريم فإن رأه موفقاً له أو تركه


يعلق الاستاذ :

قلنا أن هذا التحليل من السيد السيستاني حفظه الله يُستبعد ان يكون منهج ابن الجنيد بأعتبار ان منهج ابن الجنيد النقد المضموني اي مايوافق مضمون أو يخالف القرآن الكريم فحينما يواجه حديث يسير ضمن هذه المنهجية هذا المنهجية ماهي علاقتها بالقياس حيث أن ابن الجنيد متهم بالقياس وهل يتنافى هذا المنهج في حالة عدم وجود نص

فحين يطلق القياس يتبادر للذهن أنه الرأي الخاص اذاً مانراه من العمل بالقياس غير مايراه ويحلله السيد السيستاني حفظه الله في منهجية ابن الجنيد. 

نقول : أن مفهوم القياس له مدلول خاص متبلور في الثقافة الفقهية في تلك الفترة في القرن الرابع والمفروض ان نحمل هذه الكلمة على معناها السائد في ادبيات المسلمين والمتكرر مئات المرات في المصنفات وغيرها فكيف يصرفها سماحة السيد السيستاني حفظه الله عن معناها السائد ولو بنحو جزءي مستعمل مرة او مرتين استفيدت من كلمات ابن الجنيد نقول هذا غريب يعني يحتاج هذا التحليل لمزيد من القرآئن والشواهد التي تصرف معنى القياس عن مراده المتعارف عليه في تلك الحقبة الزمنية والتي تؤكد ان الخبر إذا جاء ننظر هل هو موافق أو معارض لروح القرآن الكريم أضف إلى ذلك أن مفردة الواردة في بعض الروايات ( قسه على القرآن الكريم..) لايعني بالضرورة أن معناها أعرضه فما وافق القرآن الكريم وإلا اتركه فهل فهم الفقهاء في ذلك الزمان هذا المعنى الذي ذهب اليه السيد السيستاني دام ظله واين كلامه من الكتابين الذين نسبهما النجاشي الذي يدلان بشكل واضح على مسار ابن الجنيد فهل الكتابين كانا موضوعين كي لا يعتد بهما أم هل تريد أن تقول أنهما محمولان على الموافقه والمخالفة لروح القرآن الكريم فهل عندك شواهد وقرائن خاصة تخرج معناها السائد في تلك الفترة

فالذي يظهر أن ما أفاده السيد السيستاني دام ظله مبهم جداً ولا يوجد دليل ولا شواهد تؤيد ذلك أضف إلى أن الشيخ المفيد والسيد المرتضى كثيراً ما رفضا النصوص لمخالفتها القرآن الكريم وتخالف العقل خاصة في علم الكلام ومع ذلك لم يتهموا بالاخذ بالقياس على منهجهما وهذا مالم نجده في منهج ابن الجنيد بل لو رجعنا للعلامة الحلي يقول لم نجد رواية عرضها ابن الجنيد على القرآن الكريم مثل انموذج الوقف على الأولاد فلا توجد رواية في هذا المقام حتى يكون أمر التشدد بين ابن الجنيد وخصومه ولو كان كذلك لاتهم انه ترك أحاديث أهل البيت عليهم السلام فيها فلو تمسك بالحديث وتشدد فيه اتهم كما كان ابن إدريس الحلي لتشدده في الأحاديث الذي اتهمه ابن داواد الحلي حيث 

قال : متقن في العلوم كثير التصانيف لكنه أعرض عن اخبار أهل البيت عليهم السلام. 

وابن الجنيد لم يتهم بهذه التهمه

أضف إلى ذلك أن الموافقه والمخالفة لروح القرآن الكريم قد تفتح تشدد من جهة وتساهل من جهة أخرى في أمر الحديث خصوصا ممن يتبنون بالمضمون القرآني فبعضهم متساهل فلا يدقق في الاسانيد فيقول المهم المتن اذا وافق القرآن الكريم نأخذ به حتى لو كان ساقط سنداً

فرأي السيد السيستاني حفظه الله دام ظله الأخذ بالعرض المضموني يفضي بالتشدد فهذا ليس صحيح دائماً ودقيقاً على طول الخط.

وربما مايؤد التساهل عند ابن الجنيد أن الظاهر حوّل المعطيات حوله ميله إلى حجية خبر الواحد الظني خلاف رأي الأكثرية من الفقهاء.

ومن هنا يُحتمل أن السيد السيستاني دام ظله التبس عليه أمر ابن الجنيد أو أن تقرير البحث جاء بشكل مخل من مقصود السيد السيستاني دام ظله

الان نأخذ الموضع الثاني الذي ذكره السيد السيستاني دام ظله ذكره في مبحث الحجج حيث ذكر هناك نورده بشكل مختصر

فنقول : أنه بدأ بحثه في شرح معنى القياس وعرفه بتعريف أولى ثم قسمه إلى قياس اختراعي وقياس استكشافي

فالقياس اختراعي هو : وضع حكم على مورد ليس هناك حكم فيه.

أشبه ما يكون بالعلة المستنبطه التي لايوجد عليها دليل لفظي من المعصوم بل يستنبطها الفقيه. فهذا النوع من القياس مرفوض تماماً كما يفيد السيد لأنه يناقض شمولية الشريعة 

القياس الاستكشافي : الكشف عن الحكم الموجود واكشفه عن طريق القياس. وهذا الطريق يفيد السيد السيستاني دام ظله انه ليس طريق عقلائي يشير أن القياس يرفض كونه عقلائي ليبرر كون كثرة القياس في ذلك الزمان

بعد هذه المقدمه منه دام ظله يعرض علينا مجموعة من الشواهد من الروايات والكتب على وجود ظاهرة القياس في العصور الأولى حتى بين أصحاب الأئمة عليهم السلام وشخصيات من مدرسة قم كذلك بل وجود قول أن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم كانوا يعملون بالرأي ثم يوجه لنفسه سؤال

يقول : كيف يتجه هؤلاء لقناعة تنسب الرأي لأهل البيت عليهم السلام.

فيجيب السيد السيستاني دام ظله

يقول لعل بعض الروايات دفعتهم لذلك مثل روايات المعضلات حيث لا يوجد كتاب ولا سنة فإن الإمام يرجم - العمل بالظن - لعدم وجود اية أو رواية من النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيعمل بالظن ولذا قالوا بنسبة الرأي للأئمة أنفسهم ولكن السيد السيستاني دام ظله يضعف مثل هذه الروايات من الناحيه السندية وعلى تقدير صحتها لابد من تأويلها ثم يستبعد أن أساس هذه الروايات رأي ابن الجنيد ولكن لا يستبعده من مدرسة قم.

ويطرح السيد السيستاني دام ظله احتمال اخر هنا أن نسبة الروايات التي يفهم منها ان أهل البيت عليهم السلام مفوضين لتبين أمر الدين فيصدرون الأحكام لثبوت الولاية التشرعية لأهل البيت عليهم السلام في إصدار الأحكام الولائية الصادرة من أنهم ولاة على الناس.

وهنا للسيد السيستاني دام ظله تحليل بسبب ظهور أن أهل البيت عليهم السلام يعملون بالرأي ليناقش فكرة منشأة العمل بالرأي.

فحين نريد أن مناقشة فكرة القياس عند المتقدمين حسب معطيات السيد دام ظله هنا السيد يجيب على التساؤل المتقدم لماذا ذهب البعض إلى وجود القياس عند بعضهم وماقصة هذه الملابسات

فهو يطرح نصوص الروايات تقاس على القرآن الكريم في باب التعارض أو باب حجية الخبر فربما يكون هؤلاء قد فهموا منها حجية القياس في حين انها لا تدل على القياس بل هذا عرض على القرآن الكريم وإن عبر على ماهو قريب من القياس من كلمة ( فقسه..)

الأمر الثاني : الذي يبرر عمل هؤلاء بالعمل بالقياس وجود روايات عن الأئمة عليهم السلام أنهم يرون حكماً نتيجة حكم مشابه حكم اخر وهذا الرأي يرفضه السيد السيستاني دام ظله فلم يستدل أهل البيت عليهم السلام على مشروعية القياس من هذا الطريق بل أخذوا بشواهد الكتاب والسنة الشريفة ولكن يُخيل للناظر إلينا أنها قياسية والواقع خلاف ذلك


الأمر الثالث : لظهور فكرة القياس عند المتقدمين كابن الجنيد

الاعتماد على الروايات الدالة على حجية القياس من قبيل رواية ( وأمر يُحتمل الشك والإنكار فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه لحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عنده)

فالشاهد من الرواية ( أو قياس تعرف العقول عنده ) فربما اعتمدوا على مثل هذه الروايات لقبول فكرة القياس ولكن السيد السيستاني دام ظله أن هذه الرواية ضعيفة السند ودلالتها تعني الفطرة المودعه في الإنسان وليس القياس المعروف بهذا المصطلح


الأحتمال الرابع : لمنشأ فكرة القياس عند المتقدمين كابن الجنيد

تصور أن نصوص النهي عن القياس تخص القياس الاختراعي وليس القياس الاستكشافي


الأحتمال الخامس :

تصور أن القياس الممنوع والمنهي عنه هو مقابل السنة الثابته وليس مطلقاً


وبعد هذه الاحتمالات يرج السيد السيستاني دام ظله أن فكرة القياس ثابته وأنه منهي عنه من أهل البيت عليهم السلام ولكن الذي حصل ان بعض العلماء يختلف مع غيره من العلماء في ادراج بعض المناهج وأساليب النظر في كونه داخل القياس أو خارج القياس ويستشهد بذلك مما يقوله الاخباريون عن الاصوليون من انهم يعملون بالرأي والقياس والإجتهاد بمعناها الخاص في السنة بعض الروايات التي تعني الرأي الذي ذكره الشهيد في أمر أبي حنيفه فلعل ابن الجنيد وما شابهه تشابه الأخباريون والأصوليون

نحن الآن أمام مدرستين مدرسة تأخذ ببعض مناهج الاجتهاد لتصور أن الروايات النهاية عن القياس مقابل السنة الثابته والذي عبر عنه السيد السيستاني دام ظله بالقياس الاختراعي الذي لاوجود نص عليه

وهذه مرفوضة

المدرسة الثانية التوسع في النهي عن القياس وغالبها من المتحدثين والذي تعتبر ان كل محاولة تأمليه في النصوص ضرب من الرأي وهذا ماذهب إليه الاخباريون واتهامهم الاصوليون أنهم يعملون بالرأي فهم يأخذون النصوص على بساطتها العالية ولا يحاولون التأمل فيها ويقارنون بينها وكذلك تطبيق الكبريات على الصغيرات والأصول على الفروع الذين يعدونه نوع من القياس والرأي وكذلك إلغاء الخصوصيه والعمل بالعلل المنصوصة فإن المتوسع في مفهوم القياس فيعتبر كل ذلك أساليب من القياس بينما لا يراه الأصوليون كذلك ولا يعدونه من القياس

كذلك قياس الأولوية فقد قيل به الكثير من الأصوليين ورفضه الاخباريون وكذلك التدقيق في الأوامر والنواهي بين الإرشادية والمولوية ومسئلة العرض على القرآن الكريم وقياس النصوص على الكتاب والسنة

وعبارة المحقق الحلي في المعارج تعني القياس على الكتاب والسنة لا القياس على المصطلح ومع ذلك يعبرون عنه بالقياس

ولهذا قد يتصور شخص ان ردهم العديد من الأحاديث لمخالفتها لمضمون القرآن الكريم هو ضرب من القياس مقابل النص

وكذلك تحليل الفقهاء لحقيبة المنشأ للمعاملات والعقود وترتيبهم الأحكام على هذه التحليلات العقلية والعقلانية لما يتصوره الطرف الآخر انه رأي أو قياس


النتيجة عند السيد السيستاني دام ظله

وجود مدرستين

مدرسة متوسعه في مفهوم القياس وهذا موقف خصوم ابن الجنيد

ومدرسة أخرى تعتمد معايير منهجية وتخرج من إطار الجمود على النص وحرفته وهذا ما يميل اليه ابن الجنيد

وإلا ابن الجنيد وغيره كلهم متفقون على النهي عن اصل القياس فهل من المعقول ان ابن الجنيد العالم والمطلع على تراث أهل البيت عليهم السلام وينكر عدم العمل بالقياس ويقر به تحدياً للنصوص الشريفة النهاية عنه

فالظهر ان ابن الجنيد لا يرى ان كل عملية اجتهاد يطلق عليها قياس أو عمل بالرأي

كما يعمل به الأحناف وغيرهم إذاً محل النزاع بين المدرستين في مساحة مفهوم فكرة الرأي والقياس لا في اصل الموضوع

هذا ماصدر من سماحة السيد السيستاني دام ظله


هناك شخصية أخرى معاصرة للسيد السيستاني حفظه الله وهو الدكتور حسين مدرسي الطبطبائي يشابه ماذكره السيد السيستاني دام ظله كتحديد ماذهب إليه ابن الجنيد فهل عمل بالقياس أو عمل بشيء يشتبه أنه من القياس المهم انه ذكر ابن الجنيد ووصفه من الفقهاء المتكلمين من الشيعة بمقابل العلماء الموصوفون بالمحدثين حيث هناك اختلاف في المنهج  وطريقة التفكير بين الفريقين فالشيخ المفيد من المتكلمين والشيخ الصدوق من المحدثين فالمدرسة المحسوبة على ابن الجنيد تحاول العمل بالعقل وتنشيط الحركة العقلانية وأن هذه الحركة لها جذور عند أصحاب الأئمة كالفظل ابن شاذان وهي تتميز بالمنهج التحليلي والاستدلالي في الفقه في قبال المحدثين الذين يكتفون بظواهر النصوص ولا يحاولون الغور في مضمون النصوص ويجمدون على ظاهر النص وإن ابن الجنيد كان يحاول ان يقف على مفاهيم ومعطيات النصوص وبضم بعضها إلى بعض والخروج بمقاصد كلية لها إطلاق في الاشباه والنظائر وكان جريئاً  في المناط القطعي في الحكم. وهذا النمط من التفكير كان يُقرأ على أنه قياس فمحاولته في الغوص في أعماق النصوص ومحاولة اكتشاف مقاصد كلية لترتيب الأثر عليها في مجال الإستنباط يسموه معاصروه أنه قياس في حين توجه المتأخرون من الاعلام الأئمامية بالقبول فنفتحوا على مناسبات الحكم والموضوع وتنقيح المناط وفصلوها عن القياس مع أن هذا العمل كان ابن الجنيد ما يعمل به


وفي مقام أخر أيضا طرح الشيخ جعفر السبحاني احتمالية أن ابن الجنيد يعمل بالعلة المنصوصة وقياس الاولوية والمناط القطعي والظني وكان بعض الفقهاء من الاتجاه المقابل حساسين من هذا النوع من المنهج وقد تابعه بعض الباحثين كالشيخ السبحاني في المستفاد من بعض المحققين. 


يقول السيد الأستاذ : وفقاً لهذا التحليل ينفتح أمامنا باب احتمال معقول جداً ولو لم يثره السيد السيستاني دام ظله بهذه الطريقة فيمكن الأخذ بمنهج ابن الجنيد للوصول إلى العديد من علل الأحكام الشرعية مثل تحقيق المناط القطعي وإلغاء الخصوصيه و ورود النص بنحو الطريقية كل هذه العنواين توصل إلى علل الأحكام الشرعية وفهم الحكم بما يختلف عن المدلول المطابقي للنص أو يبني في الكشف عن الحكم الشرعي على مؤشرات قرآنية يستنطقها من الآيات القرآنية

وبهذا يمكن احتمال ان منهج ابن الجنيد يميل إلى المنهج العللي المقاصدي وإن كان بنحوا محدود وخاصتاً كما يقول الطباطبائي لو اعتمد الاشباه والنظائر الذي يمكن أن يكون في عمقه مقاربه استقرائية على الطريقه الشاطبية وكذلك مبنى السيد السيستاني دام الظل أن النص القرآني ليس نص قانونياً بل هو نص دستوري فالعرض على القرآن عرض على الكليات الدستورية فحسب مبنى السيد السيستاني دام ظله يجعل ابن الجنيد أقرب إلى الدستورية العللية المقاصدية وبهذا يثبت وجود تيار إمامي شعي قديم كان يميل لضرب مبسط ومحدودة من التفكير المقاصدي والعللي ويعزز هذا الاستشهار بأن الرمزين وهما الفظل ابن شاذان ويونس ابن عبد الرحمن قد صنفا كشخصيتين لهما مقاربات في العلل فيمكن الربط التصنيف العللي لهما وربطهما بابن الجنيد وهذا ما سنتأمله أكثر فيما أفاده السيد السيستاني دام ظله والدكتور حسين الطباطبائي والحمد لله رب العالمين


✍️زاهر حسين العبدالله 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حوارية (122)ماذا يريد الإمام الصادق عليه من شيعته في هذا العصر؟

  حوارية ( 122) ماذا يريد الإمام الصادق (ع) من شيعته في هذا العصر ؟ 👆السائل : في ذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام ماذا يريد منا الإما...