الجمعة، 11 أغسطس 2023

حوارية (٩٨)علم الكلام ليس من منهج أهل البيت (ع)؟!

حوارية ( ٩٨) علم الكلام ليس من منهج  أهل البيت عليهم السلام! 

هناك من يقول أن علم الكلام بعيد عن منهج أهل البيت عليهم السلام وأن أول من أسسه هو الحسن البصري و هو أحد أعداء أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام. 

 منقول من كتاب مصطلح علم الكلام  فما هو تعليقك ؟ 


الجواب : نقول بسمه تعالى وبالله التوفيق 

هذا الكلام غير صحيح 

فلو رجعنا لعنوان الكتاب الذي ذكره في مصطلح علم الكلام في المكتبة الرقمية 

لوجدنا ثلاثة كتب بهذا العنوان حد ما وصل علمنا. 

أولها موسوعة مصطلح علم الكلام للمؤلف الدكتور سميح دغيم 

الثاني بنفس الاسم للدكتور الفضلي (قدس) 

والثالث : مصطلح علم الكلام للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي 

للمؤلف : أحمد عبد الهادي مهدي الصالح. 

وبعد الرجوع لمقدمات هذه الكتب لم نجد  أحدهم نقل أن أول من أسس علم الكلام هو الحسن البصري. بل تؤكد الكتب الثلاثة إجمالاً  أن علم الكلام بدأ منذ الصدر الأول للإسلام من خلال سيرة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام والجانب السني يشير لبعض الصحابة فهو قديم بقدم الرسالات الإلهية لأنهم جاؤوا في مقام الإحتجاج على قومهم. 

 ورغم ذلك نجيب على هذا التساؤل 

من عدة وجوه سنقف عليها تباعاً ولكن لابد من تعريف علم الكلام أولاً ثم نرى هل نستطيع  نسبته لمنهج أهل البيت عليهم السلام في تبليغ الرسالة أو أنه أحد أدواتها المعرفية ،أم لا؟ 

علم الكلام له عدة تعاريف إلا أنها تصب في حقل واحد والبعض يخصص بعض فصول هذا العلم كحيثيات لمنهجه الخاص.

 وهنا سنذكر التعريف العام الذي ذكره الدكتور الفضلي عليه الرحمة  

 حيث قال أن علم الكلام هو (العلم الذي يُبحث فيه عن إثبات أصول الدين الإسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها) ثم شرح هذا التعريف فقال :

يتوفر علم الكلام على بحث ودراسة مسائل العقيدة الاسلامية الحقة بإيراد الأدلة وعرض الحجج على اثباتها، ومناقشة الاقوال والآراء المخالفة لها، ومحاكمة أدلة تلكم الاقوال والآراء، وإثبات بطلانها، ونقد الشبهات التي تثار حولها، ودفعها بالحجة والبرهان) (١)


فبحسب هذا التعريف يمكن كشف اللثام عن هذا المنهج لنجد أن أول من أستعمله عملاً هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إحتجاجه مع نصارى نجران حيث كانوا يحاجونه في صدق نبوته بالأدلة التي عندهم في إنجيليهم ومنها أن من يدعي النبوة بعد النبي عيسى عليه السلام ـ حسب بعض نقولاتهم ـ فهو كاذب. 

فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ففندها وحللها ونقضها ووضعها في سياقها العام وذكر المقصود منها وأنه خاصة بجهة وبجماعة معينة في تفصيل نتركه في محله. فأنتهت تلك المحاججه إلى المباهلة وهزم نصارى نجران أمام هذا الإختبار الصعب الذي كاد أن يفنيهم عن آخرهم لو وافقوا عليه حينما رؤوا الأنوار القدسية النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام وسيد الموحدين علي عليه السلام وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام حيث قال كبيرهم إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم.. (٢)

 فنزل قول الله تعالى 

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)}آل عمران . ثم تبع هذا النهج تلميذ النبوة وخاصة علم ومستودع سر رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام للصد عن حريم الإسلام وأهله بالحجة والدليل أيضا في الخط المقابل للإسلام وكذلك الخط المقابل لمنهج أهل البيت عليه السلام داخل المسلمين وهكذا بدأ هذا العلم يخرج من علومهم عليهم السلام جواهر ثمينة تلاقفوها تلاميذهم بأذن واعية وبصيرة حاضرة واستفاد المتأثرون بهم من غير مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبدأوا يسقطون عليه مسميات حديثة كي يُنسب لهم وأن جذوره منهم وهناك من جاهد في وضعه في سياقات محددة في الإلهيات كالمعتزلة وغيرهم . ولأن المقام هنا مقام حوار وليس مقام نقاش وبحث علمي يذكر كل أبعاد هذا العلم فيمكن القول:

 أن علم الكلام هو : أداة من أدوات تحصيل العلم وفق مقدمات ومعطيات ونتائج يطوّعها أصاحبها لإثبات حق وإزهاق باطل حسب معتقدهم وحسب منهجهم لإقناع الأخرين بقوة الحجة وجميل المنطق. 

ولو أردنا أن نضعه في سياق كلمات أهل البيت عليهم السلام نقول :

هو المعرفة الواعية بالله ونبيه(ص) وأهل بيته عليهم السلام فيكون محصلته معرفة الدين بشكل كامل من خلال مرآتها وهم محمد وآل محمد كما أكد عليه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال :( أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه )(٣) .

ولو أخذنا شاهد من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في هذا العلم قام يوماً خطيباً  فقال:( محل الشاهد) :

(سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾..) (٤)

وقد سار على هذا النهج أهل البيت عليهم السلام و تلاميذهم كهشام ابن الحكم وأمثاله. 


💡الخلاصة :

أن علم الكلام نشأ في الصدر الأول في الإسلام  وقد أستفاد منه الكثير من المتكلمين في مختلف المدارس الإسلامية سنة وشيعة وقدرية ومعتزلة. وكل مدرسة توظفه في تقوية منهجها وهناك كثير من الابحاث بلورت هذا العلم لتصنف فيه المصنفات فقسمت وفصلت فيه ومنهم الحسن البصري وغيرهم من المهتمين فناقشوا في هذا العلم كثير من الموضوعات منها البحث حول صفات الله، وبالأخص مسألة التوحيد والعدل الإلهي، والقضاء والقدر، وبحث النبوة، والمعاد، والتكليف، والمعجزة. ومسألة حُسن وقبح بعض الأفعال. 

 واستمر هذا العلم يتطور في مختلف المدارس لدى المذاهب الإسلامية وغيرها من الأديان والمشارب الفكرية. 

 لذا علينا أن نكرر الدعاء الذي يحصن معارفنا الدينية كما ورد عن الصادق عليه السلام 

  ( اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)(٥)


أرجوا أنني أجبتك على هذا السؤال و الحمد لله رب العالمين.


✍️زاهر حسين العبدالله

https://t.me/zaher000

المصادر :

(١) خلاصة علم الكلام للدكتور عبد الهادي الفضلي ص ٩.

(٢)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٧٧.

(٣)الانتصار - العاملي - ج ٢ - الصفحة ١٩٥.

(٤)التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٣٠٥.

(٥)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٢ - الصفحة ٣٢٦.

هناك 5 تعليقات:

  1. ش محمد السالم٦13 أغسطس 2023 في 10:15 ص

    أحسنتم وبارك الله فيكم على هذه الكتابات النافعة

    ردحذف
  2. سيد عبدالله هاشم العلي٦13 أغسطس 2023 في 10:16 ص

    بارك الله في جهودكم

    ردحذف
  3. ش علي الأحمد13 أغسطس 2023 في 12:51 م

    وعليكم السلام
    ماتفضلتم به كافٍ ووافٍ
    وهو عين الصواب وكبد
    الحقيقة نفع الله بك و
    بجهودك وجعلها في
    ميزان حسناتك وصدقة
    جارية لك ستجد آثارها
    في الدنيا والاخرة٠
    وفقكم الله

    ردحذف
  4. مرهون من البحرين13 أغسطس 2023 في 6:29 م

    من الفضل وبالغ التقدير لكم شيخنا العزيز.. من المؤسف نحن العوام تغيب عنا ابجديات هذا المحتوى القيم..
    وجميع ما تكتبون وتنشرون نافع لطلاب المجدين والمحصلين.. الله يحفظك ويحفظ علمك وجعل ما تكتبته ذخيرة لكم في الدنيا والاخرة..
    🥰 ☀️ 🌹
    عندي مسأله
    ليش شيخناعلم الكلام لم يعرف إلا في زمن الإمام الصادق عليه السلام رغم وجوده في زمن النبي صل الله عليه وآله؟ 🥰
    طاب يومك بالود والسلام

    ردحذف
    الردود
    1. كل الشكر والتقدير على ثناء الذي لا استحقه ونسأل من الله الثبات سؤالك جميل ونرد بشكل مختصر
      علم الكلام انتشر في عهد الإمامين الباقر والصادق عليه السلام لان السلطات تتنازع فيما بينهم الأموية والعباسية فتركت مراقبة أهل البيت عليهم السلام واتخذوها فرصة لنشر العلوم ونشطة التيارات الأخرى كالملاحدة والمعتزلة والقدرية في هذه الفترة ولذا بدأت الإحتجاجات العقلية الكلامية وبرزوا أهل البيت عليهم السلام وتعليم تلاميذهم هذا الفن من العلوم

      حذف

حوارية (122)ماذا يريد الإمام الصادق عليه من شيعته في هذا العصر؟

  حوارية ( 122) ماذا يريد الإمام الصادق (ع) من شيعته في هذا العصر ؟ 👆السائل : في ذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام ماذا يريد منا الإما...