الثلاثاء، 30 يوليو 2024

دور الإمام السجاد "عليه السلام" الرسالي في رحلة السبي.

 دور الإمام السجاد "عليه السلام" الرسالي في رحلة السبي.

 

مقدمة

إن الإمام السجاد عليه السلام تحمل أعباء الإمامة في الوقت الذي استشهد أبوه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء فقام بعد هذه الفاجعة بعدة أدوار رغم الألم الشديد الذي واجهه الإمام من ثقل الحديد على جسده الشريف وثقل المصاب على قلبه الشريف فتركز حول ثلاث نقاط :

 

١-الصبر على المصاعب والمحن وتحمل المسؤولية في رعاية الحرم والعيال.

٢-كشف زيف المشروع الأموي أمام مناصريه.

٣-تعليم الأمة قواعد التعامل مع الدنيا .

 

١-الصبر على المصاعب والمحن وتحمل المسؤولية في رعاية الحرم والعيال.

 

حيث بدأت أول المهام على قلبه الجريح حينما جاءته عمته فخر المخدرات عليها السلام والنيران قد اشتعلت في المخيمات وارتفعت أصوات الأطفال واليتامى في هلع وخوف من وقع الفاجعة

قال المازندراني في (معالي السبطين) ج 2 ص 52:

و في بعض المقاتل: أن زينب الكبرى (عليها السلام) أقبلت على زين العابدين (عليه السلام) و قالت: يا بقية الماضين و ثمال الباقين، قد أضرموا النار في مضاربنا، فما رأيك فينا؟. فقال (عليه السلام) عليكن بالفرار. ففررن بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم    صائحات باكيات نادبات، إلا زينب الكبرى (عليها السلام) فإنها كانت واقفة تنظر إلى زين العابدين (عليه السلام)، لأنه لا يتمكن من النهوض و القيام ... (١)

قال بعض من شهد ذلك :

رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة ، والنار تشتعل من جوانبها ، وهي تارةً تنظر يمنة ويسرة ، وتارةً أخرى تنظر إلى السماء ، وتصفق بيديها ، وتارةً تدخل في تلك الخيمة وتخرج .

فأسرعت إليها وقلت : يا هذي ! ما وقوفك ها هنا والنار تشتعل من جوانبك؟ ! وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرقن ، ولم لم تلحقي بهن ؟ ! وما شأنك؟ !

  فبكت وقالت : يا شيخ إن لنا عليلاً في الخيمة ، وهو لا يتمكن من الجلوس والنهوض ، فكيف أفارقه وقد أحاطت النار به ؟

  وعن حميد بن مسلم قال : رأيت زينب ـ حين إحراق الخيام ـ قد دخلت في وسط النار ، وخرجت وهي تسحب إنساناً من وسط لهيب النار ، فظننت أنها تسحب ميتاً قد احترق ، فاقتربت لأنظر إليه ، فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين .

 

ثم بدأ الركب الحسيني بصعود النياق العجف وصوت الألم من كل جانب حيث قام بهذا الدور السيدة زينب الكبرى عليه السلام وابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام

فكانت بعد نظرات الحسرات والآهات وأبطال كربلاء مرملين على بوغاء الثرى مجزرين كالأضاحي هذا المشهد يحتاج وعد خاص يعطي الأمل لجميع المستضعفين في الأرض بوعد الله سبحانه وتعالى

فقالت السيدة زينب عليها السلام لابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام

تبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فقلت:

وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر.

فقالت: لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام و ليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا.

فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟ فقالت: حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام، فعملت له حريرة صلى الله عليهما، وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن: فأتيتهم بعس فيه لبن

وزبد، فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله)وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)من تلك الحريرة، وشرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده وعلي (عليه السلام)يصب عليه الماء.فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن و الحسين (عليهم السلام) نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجدا وهو ينشج، فأطال النشوج وعلا نحيبه، وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك، قال له علي وقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما ترى من حالك؟

فقال: يا أخي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط  وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته علي فيكم، إذ هبط علي جبرئيل فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة، وهناك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تحبى، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا; ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطا خبطا، وقتلا قتلا، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم، ولك فيهم، فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم.

ثم قال جبرئيل: يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة، وأشقى البرية، نظير

عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم.

وإن سبطك هذا وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك، وأخيار من أمتك، بضفة الفرات، بأرض تدعى كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك، في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفني حسرته، وهي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة، وإنها لمن بطحاء الجنة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة، تزعزعت الأرض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السماوات بأهلها، غضبا لك يا محمد ولذريتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين.

الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار من فيهن: إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب، ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي، وانتهك حرمته وقتل عترته، ونبذ عهده وظلم أهله عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين.

فعند ذلك يضج كل شئ في السماوات والأرضين، بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها، تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت والزمرد، مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة، وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء، وألبسوها الحلل، وحنطوها بذلك الطيب وصلى الملائكة صفا صفا عليهم.

ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولانية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك .

البطحاء يكون علما لأهل الحق، وسببا للمؤمنين إلى الفوز، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة، ويصلون عليه ويسبحون الله عنده و يستغفرون الله لزواره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقربا إلى الله وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: " هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء " فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار ، يدل عليهم ويعرفون به.

وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا، ومعنا من ملائكة الله مالا يحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك، لا يريد به غير الله عز وجل وسيجد أناس حقت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا. (٢)

 

٢-كشف زيف المشروع الأموي أمام مناصريه

الإمام السجاد روحي له الفداء من أدواره هو هدى ونور للعالمين يعلمهم ويزكيهم إلى الصراط المستقيم رغم كل الجراح والآلام لا يقصر في خدمة الدين وأهله مهما واجه من المضللين بالإعلام الأموي الذي شحن أذهان الناس أن عترة أهل البيت عليهم السلام خوارج يجب قتلهم وسبي نسائهم ولا يمتون للإسلام بصلة ومن الشواهد على ذلك حينما دخلت السبايا الشام ورآهم ذلك الشيخ الكبير ويريد أن يتقرب لله بسبهم وشتمهم جهلاً منه لهم فجرى هذا الحوار فقد ورد في التاريخ .

قال: وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله، وهم أقيموا على درج باب المسجد،

فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟

قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " 

قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى "  قال نعم، قال علي: فنحن القربى يا شيخ وهل قرأت هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }  قال الشيخ:

قد قرأت ذلك قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ!

قال: فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال: بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين: تالله إنا لنحن هم من غير شك، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، وأنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل .(٣)

وخطاب الإمام السجاد عليه السلام أمام طاغية عصره خطبة زلزلت عروش الظالمين وكشفت زيف المبطلين وعرفت مقام أهل بيت النبوة وموضع الرسالة حيث قال الإمام السجاد عليه السلام

أيها الناس، أعطينا ستا، وفضلنا بسبع:

أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين.

وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد الرسول، ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنا سبطا هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة.

فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي:

أنا ابن مكة ومنى. أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الردا.أنا ابن خير من ائتزر وارتدى.

أنا ابن خير من انتعل واحتفى.أنا ابن خير من طاف وسعى.أنا ابن خير من حج ولبى.أنا ابن من حمل على البراق في الهوا.أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى.أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى.أنا ابن من دنى فتدلى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.أنا ابن من صلى بملائكة السما.أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى.أنا ابن محمد المصطفى.أنا ابن علي المرتضى.أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلا الله.أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين.

أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين، ورسول رب العالمين.أنا ابن المؤيد بجبرائيل، المنصور بميكائيل.أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب استجاب لله، من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر دين الله، وولي أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله، سمح سخي، بهلول زكي أبطحي رضي مرضي، مقدام همام، صابر صوام، مهذب قوام شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرق الأحزاب، أربطهم جنانا، وأطلقهم عنانا، وأجرأهم لسانا، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب - إذا ازدلفت الأسنة، وقربت الأعنة - طحن الرحى، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، صاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنص والاستحقاق مكي مدني، أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين، الحسن والحسين، مظهر العجائب، ومفرق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كل طالب غالب كل غالب، ذاك جدي علي بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهرا.أنا ابن سيدة النسا.أنا ابن الطهر البتول.أنا ابن بضعة الرسول.

أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء.أنا ابن المرمل بالدما.أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلما.

أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهوا.) قال: ولم يزل يقول: (أنا أنا) حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن، فقطع عليه الكلام وسكت.

فلما قال المؤذن (الله أكبر!) قال علي بن الحسين: كبرت كبيرا لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شي أكبر من الله.

فلما قال(أشهد أن لا إله إلا الله!) قال علي: شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخي وعظمي.

فلما قال(شهد أن محمدا رسول الله!) التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد وقال: يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت. وإن قلت إنه جدي، فلم قتلت عترته؟

فأدى كلام الإمام عليه السلام إلى أن تتبخر كل الدعايات المضللة التي روجتها السياسة الأموية، والتي تركزت على: أن الأسرى هم من الخوارج! فبدل نشوة الانتصار إلى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين!(٤)

٣-تعليم الأمة بقواعد التعامل مع الدنيا 

ومن أدوار الإمام السجاد عليه السلام أنه وضع قواعد أساسية لمعرفة مكامن الشيطان عليه لعنة الله والتي من خلالها يدخل لمكامن النفس البشرية ليحرفه عن طاعة الله سبحانه والوقوع في وحل الذنوب والمعاصي فقد ورد عن

محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله (صلى الله عليه وآله) أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك  لشعبا كثيرة وللمعاصي شعب فأول ما عصى الله به الكبر، معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، ثم الحرص وهي معصية آدم وحواء (عليهما السلام) حين قال الله عز وجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين  " فأخذا مالا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.(٥)

 

المصادر

(1)   الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب

(2)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٥٧ إلى ٦٠ .

(3)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ١٢٩.

(4)   جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - الصفحة ٥١ إلى ٥٦.

(5)   الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٣١٧.

الخميس، 18 يوليو 2024

❇️ السيدة زينب (ع) رمز العفة والوفاء والثبات

 ❇️ السيدة زينب (ع) رمز العفة والوفاء والثبات

قال تعالى

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} البقرة.

🌴سبب نزول الآية عن

روي عن الصّادق (علیه السلام)- مَطَرَتِ السَّمَاءُ بالمدينة فَلَمَّا تَقَشَّعَتِ السَّمَاءُ وَ خَرَجَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّـهِ (صل الله علیه و آله) فِی أُنَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَجَلَسَ وَ جَلَسُوا حَوْلَهُ إِذَا أَقْبَلَ عَلِي بْنُ ‌أَبِی ‌طَالِبٍ (علیه السلام) فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ (صلی الله علیه و آله): لِمَنْ حَوْلَهُ هَذَا عَلِيٌ (علیه السلام) قَدْ أَتَاکُمْ تَقِيّ الْقَلْبِ نَقِیَّ الْکَفَّیْنِ هَذَا عَلِیُّ‌بْنُ‌أَبِی‌طَالِبٍ (علیه السلام) لَا یَقُولُ إِلَّا صَوَاباً تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لَا یَزُولُ عَنْ دِینِهِ فَلَمَّا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّـهِ (صلی الله علیه و آله) أَجْلَسَهُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ: یَا عَلِیُّ (علیه السلام)! أَنَا مَدِینَةُ الْحِکْمَةِ وَ أَنْتَ بَابُهَا فَمَنْ أَتَی الْمَدِینَةَ مِنَ الْبَابِ وَصَلَ. یَا عَلِیُّ (علیه السلام)! أَنْتَ بَابِیَ الَّذِی أُوتِیَ مِنْهُ وَ أَنَا بَابُ اللَّـهِ فَمَنْ أَتَانِی مِنْ سِوَاکَ لَم یَصِلْ وَ مَنْ أَتَی سِوَایَ لَمْ یَصِلْ فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا یَعْنِی بِهَذَا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّـهُ بِهِ قُرْآناً لَیْسَ الْبِرُّ إِلَی آخِرِ الْآیَةِ.‌ (١)

 

🌴ومن مصاديق هذه الآية فخر المخدرات زينب الكبرى عليها السلام

 

الذي مثلها الشاعر السيد رضا الهندي  (قدس)

وذكرتُ إذ وقفتْ عقيلةُ حيدرٍ                        مذهولةً تُصغي لصوتِ أخيها

بأبي التي وَرِثَتْ مصائبَ أمِها                  فغدتْ تقابلُها بصبرِ أبيها

لم تَلْهُ عن جَمعِ العيالِ وحفظهم              بفراقِ أخوتِها وفقدِ بنيها.

 

السؤال هنا : ما هي قواعد هذا البناء الروحي والشخصي الذي جعلها تكون بهذا الثبات والقوة والصبر والوفاء والبلاغة والحفاظ على تلك الأمانة الثقيلة التي لا تحملها إلا قلوب امتلأت إيمانا ويقيناً بربها سبحانه ؟

 

💡أبرز قواعد هذا البناء الصلب حجاب وعفاف وخدر وحياء زينب الكبرى عليها السلام

فمن يعي معنى قداسة الحجاب والعفة بأعلى صورة لن يكون إلا سيدة نساء العالمين الزهراء البتول عليها ثم ابنتها فخر المخدرات زينب الكبرى عليها السلام

لذا أصبحت وأمست هي الملاذ والحصن العظيم الذي حفظ كيان الإيمان وحفظ التمسك بإمام الزمان السجاد عليه السلام

فأفرز لنا محطات ثلاث مهمة على كل مؤمن ومؤمنة أن يستلهمها من شخصيتها الربانية

 

المحطة الأولى :

عرفت أن الحجاب والعفة والحياء هوية المؤمنة الصادقة التي تبرز عظمة الإسلام وتمثل أعلى درجات الكمال في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم

فحافظت بكل كيانها صلوات الله عليها

كي تعطي عدة رسائل من خلاله :

١- إن الحجاب الحقيقي يتمثل في الجوهر والمظهر معاً فلا غنى للآخر عن أحدهما.

٢- أن الحجاب رسالة لكل رسالية تريد أن تؤدي دورها في التأثير على من حولها لأنها النموذج الأكمل الذي تخضع الرقاب أمام هذا الثبات.

٣- الحجاب معناه أن ألتزم أوامر الله وأجتنب نواهيه حتى لو خالفته كل نساء الدنيا فالملاك الحقيقي هو رضوان الله سبحانه وليس رضا الناس وتغير الزمان والمكان. واتباع الشهوات والرغبات.

٤- الحجاب الحقيقي لا يظهر أمام الناس ويكون فرجة إلا لضرورة حفظ الدين وأهله من الضياع وحفظ كرامة المرأة وليس أي خروج يهتك كرامتها وتكون مصدر إغراء وتفريغ شهوة يزين لها الشيطان فعلها تحت حجج الانفتاح والانفلات والحرية الزائفة.

٥- الحجاب الحقيقي هو العبودية الخالصة لله سبحانه والفناء في رضوانه.

 

المحطة الثانية:

العلم والوعي بمقتضيات المرحلة وما يحاك في الظلام من أجل تشويه كيان وحجاب المرأة وحرفها عن مسارها

سلاح كل مؤمنة عاقلة فلتنظر كل امرأة بعين العلم والعقل والإيمان ما المراد من خلقها وما هي وظيفتها الحقيقية في الحياة التي سيكون فخراً لها في دينها ودنياها ونجاة لها يوم القيامة.

فلذا فخر المخدرات علمت أن هذا الحجاب مستهدف هتكه وسلب أهدافه وقيمه ولكن وظفته فخر المخدرات زينب الكبرى عليها السلام بأحسن توظيف وجعلته راية وشعار لكل أحرار العالم ليبقى ما بقي الدهر أمام أعتى قوى الشر والظلام

فالأم والأخت والزوجة والبنت إذا أيقنت وعرفت عظمة هذا الحجاب حافظت عليه بكل وجودها فصلحت وصلح المجتمع من حولها.

المحطة الثالثة :

علمتنا فخر المخدرات زينب الكبرى عليها السلام متى يكون للكلام قيمة أمام الطغيان والظلم والاستبداد وشماتة الأعداء وسبهم وضربهم

لأن الكلام جواهر فلا يخرج إلا في مكانه فيكون له تأثير كالصاعقة ومزلزل كالبركان إذا صدر لحفظ الدين وأهله فلا يكون سائباً لكل أحد لا يعرف قيمته

يتجلى ذلك في شخصيتها في عدة مواقف نذكر منها مايلي :

١- حينما عزم الشمر على قتل السجاد عليه السلام في الخيام فألقت بنفسها عليه

وقالت بصبر وثبات راسخ كما ينقل بعض الخطباء

إذا أردت التشفي فقد تشفيت وإن أردت قتله فاقتلني قبله

هنا الكلام أشد ألف مرة من السيوف والرماح والسهام فامتنع من قتله لأن الكلام وقع في محله وخرج في وقته.

٢-في دخولهم على ابن زياد وهو ينظر لبنات الرسالة ثم سأل عن السيدة زينب الكبرى عليها السلام فأشاروا له عليها

فقال ابن زياد لعنه الله: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟

 فقالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع [الله] بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا بن مرجانة.

قال: فغضب [ابن زياد] وكأنه هم بها، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله [قلبي] من طاغيتك الحسين - عليه السلام - والعصاة المردة من أهل بيتك، فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت (٢)

 

 ثم نظر إلى الإمام علي بن الحسين السجاد

فقال له: من أنت؟

فقال: " أنا علي بن الحسين ".

فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟

فقال له علي عليه السلام: " قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس ".

فقال له ابن زياد: بل الله قتله.

فقال علي بن الحسين عليه السلام{الله يتوفى الأنفس حين موتها}

فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه. فتعلقت به زينب عمته وقالت: يا ابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته

وقالت: والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه؟ فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ثم قال: عجبا للرحم! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به.

٣- حينما دخلت على طاغية عصرها وهو يتصفح النساء أيكم زينب فلم تكلمه لأن الكلام ثمين لا يخرج إلا نصرة للدين وأهله

فعلم هذا الستر والعفاف والخدر والإباء لا يخرج إلا إذا تعرض الدين للهتك فبدأ ينكث بمخصرته ثنايا أبي عبد الله الحسين عليه السلام ويردد شعر الجاهليين يقال أنها للزعبري

 ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا.        * ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل

 لعبت هاشم بالملك فلا   *  خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل "

 

فانطلقت لبوة بني هاشم وعقيلة علي ابن أبي طالب عليه السلام بصوتها المزلزل

 

فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب، فقالت: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول: " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ". أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا، وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا، أنسيت قول الله تعالى: " ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ".

" أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوها أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل " منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت. " " اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا. فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا حززت إلا لحمك، ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " " وحسبك بالله حاكما، وبمحمد (ص) خصيما، وبجبريل ظهيرا، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا وأضعف جندا، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، ولكن العيون عبرى، والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، إلى أن قالت

ولئن اتخذتنا مغنما، لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعول. " فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. " " والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل ".(٤)

 

وروت فاطمة بنت الحسين عليهما السلام: فلما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية - يعنيني - وكنت جارية وضيئة فأرعدت وظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون.

فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له.

فغضب يزيد وقال: كذبت، إن ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت.

قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضبا وقال: إياي تستقبلين بهذا؟! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.

قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلما.

. قال: كذبت يا عدوة الله.

قالت له: أنت أمير، تشتم ظالما وتقهر بسلطانك، فكأنه استحيا وسكت.(٥)

 

 

💡الخلاصة يابنات الإسلام والإيمان

السيدة زينب الكبرى عليها السلام النموذج الأعلى للحفاظ عليكن من فتن الزمان ومتغيراته ومهوى الخُلّص من عباده وملاذ التائبين وعصمة المعتصمين وشعار المرابطين في وجه الشهوات والرغبات التي تريد قوى الشر هتكه فكوني زينب الكبرى عليها السلام في كل مكان وكوني جوهرة لا تطالها أيدي ونظر العابثين والعاصين المذنبين تكون أديت رسالتك الحقيقية في هذه الحياة

والحمد لله رب العالمين.

 

✍️زاهر حسين العبدالله

 

المصادر

(1)  العوالم ، الإمام الحسين (ع) - الشيخ عبد الله البحراني - الصفحة ٣٨٣

(2)  تفسير أهل البيت عليهم السلام ج١، ص٨١٤.

(3)  الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ١١٦

(4)  معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري - ج ٣ - الصفحة ١٦٢

(5)  الإرشاد - الشيخ المفيد - ج ٢ - الصفحة ١٢١

 

الثلاثاء، 16 يوليو 2024

البكاء على الإمام الحسين (ع) باب لرضا الله سبحانه

 ❇️ البكاء على الإمام الحسين (ع) باب لرضا الله سبحانه

 

💡مقدمة:

إن لكل شيء صيانة إما مادية أو معنوية بشكل دوري يساهم في بقائه لفترة أطول في هذه الحياة

فصيانة الأدوات المادية بشكل دوري مثل السيارة أو المنزل وغيرها يُبقي هذه المادة في حالة جيدة لمدة أطول لأنه يتابع كل ما يتعرض للخراب فيصلحه أولاً بأول كذلك  إذا يتابع الإنسان حالته الصحية بشكل دوري ويراعي ماذا يأكل وماذا يشرب يستحم بشكل منتظم وينظف نفسه ويغسل أسنانه كلها عوامل يُبقي الجسد في حالة صحية أفضل ويطيل العمر حسب الظاهر بالموازيين المادية هذا لو أغمضنا النظر عن الظروف المحيطة الخارجة عن إرادة الإنسان مثل الحادث أو الموت أو الخلل الوظيفي المفاجئ وغيرها.

كذلك في الجانب المعنوي عند الإنسان مثل الحزن والألم والفرح والغضب وغيرها من الأمراض التي تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على نفسية الإنسان إذا لم يتم صيانتها وتقويمها بشكل دوري قد تخرج من إطارها الطبيعي إلى أمور تخل بنظامه الطبيعي

وهناك ما هو أعمق في هذا الإنسان المعقد والمعجز في الخلق وله تماس بشكل مباشر بالمحرك الرئيس في هذا الجسد ولولا وجودها لكان الإنسان مجرد جثة خامدة لا حراك فيها

هي الروح المهيمنة على ذلك الجسد وهنا يأتي سؤال

🕌السؤال المركزي : بالفناء في الله سبحانه

س : كيف يتم صيانة الروح بشكل دوري ؟ ج : كي تصل إلى النفس المطمئنة

والتي تحتاج إلى توازن فهنا أنواع للنفس منها النفس اللوامة التي إذا أذنبت تعيد توازنها من خلال الندم والحزن والألم والبكاء لتعود لفطرتها وتوازنها بين العقل والشهوات

وهناك أمور تحدث في النفس كلها بصيانة شاملة تعيد التوازن في كل ملكات الإنسان وهو غسل الروح من كل ما يشوبها من ملوثات وأفضل تلك الأمور هي البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى حباً وشوقاً وتقصيراً منه. _سبحانه وتعالى _

وهناك نموذج اخر جعله الله وسيلة تقرب الإنسان إلى فطرته فتحها الله لعباده وهي البكاء على أوليائه الصالحين تذيب القسوة في القلوب الجافة وترقق القلوب لمن حولها فيكون رحيما حنونا لين الجانب لمن حوله وتكون له درجات عالية يوم القيامة ومن أهم تلك الأبواب التي فتحتها الحق سبحانه هو البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

وقد نصت الروايات الكثيرة في فضل البكاء على الحسين عليه السلام وسنعرض هنا جملة من الروايات في فضل البكاء على الحسين عليه السلام منها :

الرواية الأولى :

في مسنده، بالإسناد إلى عبد الله بن نجا عن أبيه: أنه سار مع عليّ (عليه السلام)، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، نادى: «صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات»، قال: قلت: وما ذاك؟ قال: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبرئيل قبل، فحدثني أن ولدي الحسين يقتل بشط الفرات، فقال: هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟

قال: قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني إن فاضتا .(١)

 

الرواية الثانية :

عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول:

أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لاذي مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة  ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .(٢)

الرواية الثالثة :

وعن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كنا عنده فذكرنا الحسين (عليه السلام) فبكى أبو عبد الله (عليه السلام) وبكينا، قال: ثم رفع رأسه، فقال: قال الحسين (عليه السلام): أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى.

الرواية الرابعة:

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال الحسين (عليه السلام) أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا وحقيق علي أن لا يأتيني مكروب قط إلا رده الله واقلبه إلى أهله مسرورا. (٣)

الرواية الخامسة :

عن الإمام الرضا (عليه السلام): فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام. ثم قال (عليه السلام): كان أبي (عليه السلام) إذا دخل شهر المحرم لا يُرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين (عليه السلام)(٤).

الرواية السادسة :

عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل له:

ومن ذُكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة.(٥)

الرواية السابعة :

عن الريان بن شبيب دخل يوماً على الإمام الرضا عليه السلام فقال له الإمام

يابن شبيب لقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أنه لما قُتل جدي الحسين صلوات الله عليه أمطرت السماء دماً " وترابا " أحمر.

يابن شبيب إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً " كان أو كبيراً " قليلاً " كان أو كثيراً ".

يابن شبيب إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام.

يابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله صلوات الله عليهم فالعن قتلة الحسين عليه السلام.

يابن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً " عظيماً ".

يابن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا، فلو أن رجلاً " تولى حجراً " لحشره الله معه يوم القيامة .

 

الرواية الثامنة :

الرواية المفجعة

يابن شبيب إن كنت باكياً " لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قُتل فهم عند قبره شُعثٌ غُبرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين. (٦)

 

المكافأة الكبرى دعاء المعصوم لمن بكى على الإمام الحسين عليه السلام

فقد روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام دعاء وهو ساجد

ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه فيقول:

يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله ..إلى أن قال

اللهم إن أعداءنا أعابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافا عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام وارحم تلك العيون التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش، فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد ..(٧)

الخاتمة هي الشهادة منا للإمام الحسين عليه السلام ومن معه

بأبي أنت وأمي ونفسي يا أبا عبد الله، أشهد لقد اقشعرت لدمائكم أظلة العرش مع أظلة الخلائق، وبكتكم السماء والأرض، وسكان الجنان والبر والبحر، صلى الله عليك عدد ما في علم الله، لبيك داعي الله، إن كان لم يُجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.(٨)

 

✍️ زاهر حسين العبدالله

المصادر :

(1)      الصواعق المحرقة 2 / 566.

(2)      كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - الصفحة ٢٠١

(3)      كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - الصفحة ٢١٦.

(4)      ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٩٨٤.

(5)      كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه - الصفحة ٢٠٢

(6)      بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ١٠٣

(7)      ثواب الأعمال - الشيخ الصدوق - الصفحة ٩٥

(8)      بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ٣٣٧

حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟

  🔲 حوارية (١٢٨) لماذا تفرضون الوصاية علينا؟ ☝️السائل:   سلام عليكم بوسجاد كلما تنصح أحداً أو تنبه أحداً أو تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر مبا...